للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الممتزجات وفسادها ليس إلا بسبب مزاوجات الكواكب. ولا حاجة في هذا الباب إلى مبدىء المبادئ فأجاب الله عن شبهتهم بقوله وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ أي ليس لهم على ما قالوه دليل وإنما ذكروا ذلك ظنا تخمينا واستبعادا فلا ينبغي للعاقل أن يلتفت إلى قولهم، لأن الحجة قامت على نقيض ذلك وهي دليل المبدأ والمعاد المذكور مرارا وأطوارا. وليس قولهم ائْتُوا بِآبائِنا من الحجة في شيء لأنه ليس كل ما لا يحصل في الحال فإنه يمتنع حصوله في الاستقبال بدليل الحادث اليومي الممتنع حصوله في الأمس، فوجه الاستثناء أنه في أسلوب قوله:

تحية بينهم ضرب وجيع وحين بكتهم وسكتهم صرح بما هو الحق وقال قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ إلى آخره. ثم أراد أن يختم السورة بوصف يوم القيامة وما سيجري على الكفار فيه فقال وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ العامل فيه يخسر وقوله يَوْمَئِذٍ بدل من يَوْمَ وفيه تأكيد للحصر المستفاد من تقديم الظرف. قال ابن عباس: الجاثية المجتمعة للحساب المترقبة لما يعمل بها. وقيل: باركة جلسة المدعي عند الحاكم. وقيل: مستوفزا لا يصيب الأرض إلا ركبتاه وأطراف أنامله.

والجثو للكفار خاصة. وقيل: عام بدليل قوله بعد ذلك فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا تُدْعى إِلى كِتابِهَا يريد كتاب الحفظة ليقرؤه. وقال الجاحظ: إلى كتاب نبيها فينظر هل عملوا به أم لا. ويقال: يا أهل التوراة يا أهل القرآن. الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ بتقدير القول ومما يؤيد القول الأول قوله هذا كِتابُنا إلى قوله إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ أي نأمر بالنسخ. وإضافة الكتاب تارة إليهم وأخرى إلى الله عز وجل صحيحة لأن الإضافة يكفي فيها أدنى ملابسة، فأضيف إليهم لأن أعمالهم مثبتة فيه، وأضيف إلى الله سبحانه لأنه أمر ملائكته بكتبه. قوله أَفَلَمْ تَكُنْ القول فيه مقدر أي فيقال لهم ذلك قوله إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا قال أبو علي والأخفش: هذا الكلام جار على غير الظاهر لأن كل من يظن فإنه لا يظن إلا الظن، فتأويله أن ينوي به التقديم أي ما نحن إلا نظن ظنا. وقال المازني: تقديره إن نظن نحن إلا ظنا منكم أي أنتم شاكون فيما تزعمون وما نحن بمستيقنين أنكم لا تظنون. وقال جار الله: أصله نظن ظنا ومعناه إثبات الظن فحسب. فأدخل أداة الحصر ليفيد إثبات الظن مع نفي ما سواه وأقول: الظن قد يطلق على ما يقرب من العلم، ولا ريب أن لهذا الرجحان مراتب وكأنهم نفوا كل الظنون إلا الذي لا ثبوت علم فيه وأكدوا هذا المعنى بقوله وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ وباقي السورة واضح مما سلف والله أعلم.

تم الجزء الخامس والعشرون ويليه الجزء السادس والعشرون أوله تفسير سورة الأحقاف.

<<  <  ج: ص:  >  >>