الصبر خَيْراً لَهُمْ في دينهم وهو ظاهر وفي دنياهم بأن ينسبوا إلى وفور العقل وكمال الأدب. وقيل: بإطلاق أسرائهم جميعا
فقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق النصف وفادى النصف
وَاللَّهُ غَفُورٌ مع ذلك لمن تاب رَحِيمٌ في قبول التوبة.
سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وفد بني تميم فقال: إنهم جفاة بني تميم ولولا أنهم من أشد الناس قتالا للأعور الدجال لدعوت الله عليهم أن يهلكهم.
ويحكى عن أبي عبيدة وهو المشهور بالعلم والزهادة وثقة الرواية أنه قال: ما وقفت بباب عالم قط حتى يخرج في وقت خروجه. ثم أرشدهم إلى أدب آخر فقال يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ وقد أجمع المفسرون على
أنها نزلت في الوليد بن عقبة بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني المصطلق مصدقا وكان بينهما إحنة، فلما سمعوا به ركبوا إليه فلما سمع بهم خافهم فرجع فقال: إن القوم هموا بقتلي ومنعوا صدقاتهم. فهم النبي صلى الله عليه وسلم بغزوهم، فبيناهم في ذلك إذ قدم وفدهم وقالوا: يا رسول الله سمعنا برسولك فخرجنا نكرمه ونؤدي إليه ما قبلنا من الصدقة فاتهمهم النبي صلى الله عليه وسلم وقال:
لتنتهن أو لأبعثن إليكم رجلا هو عندي كنفسي يقاتل مقاتلتكم ويسبي ذراريكم، ثم ضرب بيده على كتف علي رضي الله عنه فقالوا: نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله.
وقيل:
بعث إليهم خالد بن الوليد فوجدهم منادين بالصلاة متهجدين فسلموا إليه الصدقات فرجع.
قال جار الله: في تنكير الفاسق والنبأ عموم كأنه قيل: أيّ فاسق جاءكم بأيّ نبأ فتوقفوا فيه واطلبوا البيان لأن من لا يتجافى جنس الفسوق لا يتجافى بعض أنواعه الذي هو الكذب.
والفسوق الخروج عن الشيء والانسلاخ منه فسقت الرطبة عن قشرها، ومن مقلوبه «فقست البيضة» إذا كسرتها وأخرجت ما فيها. ومن تقاليبه أيضا «قفست الشيء» بتقديم القاف إذا أخرجته من يد مالكه غصبا. والنبأ الخبر الذي يعظم وقعه. واختبر لفظة «إن» التي هي للشك دون «إذا» تنبيها على أنه صلى الله عليه وسلم ومن معه بمنزلة لا يجسر أحد أن يخبرهم بكذب إلا على سبيل الفرض والندرة، فعلى المؤمنين أن يكونوا بحيث لا يطمع فاسق في مخاطبتهم بكلمة زور. ثم علل التبين بقوله أَنْ تُصِيبُوا أي كراهة إصابتكم قَوْماً حال كونكم جاهلين بحقيقة الأمر. والندم ضرب من الغم وهو أن تغتم على ما وقع منك متمنيا أنه لم يقع ولا يخلو من دوام وإلزام. ومن مقلوباته «أدمن الأمر» إذا دام عليه. ومدن بالمكان أقام به. قال الأصوليون من الأشاعرة: إن خبر الواحد العدل يجب العمل به لأن الله تعالى أمر بالتبين في خبر الفاسق، ولو تبينا في خبر العدل لسوّينا بينهما. وضعف بأنه من باب التمسك بالمفهوم. واتفقوا على أن شهادة الفاسق لا تقبل لأن باب الشهادة أضيق من باب التمسك بمفهوم الخبر. وأكثر المفسرين على أن الوليد كان ثقة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فصار