للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصغائر. ويحتمل أن يكون الكفر مقابل التصديق بالجنان، والفسوق مقابل الإقرار باللسان لأن الفسق هاهنا أمر قولي بدليل قوله إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ سماه فاسقا لكذبه والعصيان مقابل العمل بالأركان أُولئِكَ البعض المتبينون هُمُ الرَّاشِدُونَ وهذه جملة معترضة.

وقوله فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً كل منهما مفعول له والعامل فيهما حَبَّبَ وكَرَّهَ ويجوز أن يكونا منصوبين عن الراشدين لأن الرشد عبارة عن التحبيب والتكريه المستندين إلى الله، فكأن الرشد أيضا فعله فاتحد الفاعل في الفعل والمفعول له بهذا الاعتبار. ويجوز أن يكونا مصدرين من غير لفظ الفعل وهو الرشد فكأنه قيل: فأولئك هم الراشدون رشدا لأن رشدهم إفضال وإنعام منه. قال بعض العلماء: الفضل بالنظر إلى جانب الله الغنيّ، والنعمة بالنظر إلى جانب العبد الفقير وَاللَّهُ عَلِيمٌ بأحوال الخلق وما بينهم من التمايز والتفاضل حَكِيمٌ في تدابيره وأفضاله وأنعامه.

ثم علمهم حكما آخر.

في الصحيحين عن أنس أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا نبي الله لو أتيت عبد الله بن أبيّ. فانطلق إليه على حمار وانطلق المسلمون يمشون وهي أرض سبخة فبال الحمار فقال: إليك عني فو الله لقد آذاني نتن حمارك. فقال عبد الله بن رواحة: والله إن بول حماره أطيب ريحا منك فغضب لعبد الله رجل من قومه وغضب لكل واحد منهما أصحابه فوقع بينهم حرب بالجريد والأيدي والنعال فأنزل الله فيهم وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا

جمع لأن الطائفتين في معنى القوم، أو الناس، أو لأن أقل الجمع اثنان فرجع إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصلح بينهم. وعن مقاتل: قرأها عليهم فاصطلحوا. وقال ابن بحر: القتال لا يكون بالنعال والأيدي وإنما هذا في المنتظر من الزمان. والطائفة الجماعة وهي أقل من الفرقة لقوله فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ [التوبة: ١٢٢] وارتفاعها بمضمر دل عليه ما بعده أي إن اقتتلت طائفتان واختير «أن» دون «إذا» مع كثرة وقوع القتال بين المؤمنين ليدل على أنه مما ينبغي أن لا يقع إلا نادرا وعلى سبيل الفرض والتقدير، ولهذه النكتة بعينها قال طائِفَتانِ ولم يقل «فريقان» تحقيقا للتقليل كما قلنا. وفي تقديم الفاعل على الفعل إشارة أيضا إلى هذا المعنى لأن كونهما طائفتين مؤمنين يقتضي أن لا يقع القتال بينهما ولهذا اختير المضيّ في الفعل ولم يقل يقتتلون لئلا ينبئ عن الاستمرار.

وفيه أيضا من التقابل ما فيه. وإنما قدم الفعل في قوله إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ ليعلم أن المجيء بالنبإ الكاذب يورث كون الجائي به فاسقا سواء كان قبل ذلك فاسقا أم لا، ولو أخر الفعل لم تتناول الآية إلا مشهور الفسق قبل المجيء بالنبإ. قال بعض العلماء: إنما

<<  <  ج: ص:  >  >>