للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم عطف على قوله أَلَّا تَزِرُ قوله وَأَنْ لَيْسَ وحكمه حكم ما يتلوه من المعطوفات فيما مر. وفيه مباحث: الأول الإنسان عام وقيل: هو الكافر. وأورد عليه أن الله سبحانه قال لَيْسَ لِلْإِنْسانِ ولو أراد الكافر لقال «ليس على الإنسان» وهذا بالحقيقة غير وارد فإن اللام قد تستعمل في مثل هذا المعنى قال تعالى وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها [الإسراء:

٧] وورد على الأول أن الدعاء والصدقة والحج ينفع الميت كما ورد في الأخبار، وأيضا قال تعالى مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها [الأنعام: ١٦٠] والأضعاف فوق ما سعى.

وأجاب بعضهم بأن قوله لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى كان في شرع من تقدم ثم إنه تعالى نسخه في شريعتنا وجعل للإنسان ما سعى وما لم يسع. وقال المحققون: إن سعي غيره وكذا الأضعاف لما لم ينفعه إلا مبنيا على سعي نفسه وهو أن يكون مؤمنا صالحا كان سعي غيره كأنه سعي نفسه. والثاني «ما» مصدرية والمضاف محذوف أي الأثواب أو جزاء سعيه.

ويجوز أن تكون موصولة أي إلا الجزاء الذي سعى فيه. الثالث في صيغة المضي إشارة إلى أنه لا يفيد الإنسان إلا الذي قد حصل فيه ووجد، وأما مجرد النية مع التواني والتراخي فذلك مما لا اعتماد عليه ولعل ذلك من مكايد الشيطان يمنيه ويعده إلى أن يحل الأجل بغتة. قوله وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى إن كان من الرؤية فكقوله اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ [التوبة: ١٠٥] وإن كان من الإراءة فالفائدة في إراءته وعرضه عليه أن يفرح به هو ويحزن الكافر والله قادر على إعادة كل معدوم عرضا كان أو جوهرا، والمراد أن يريه الله إياه على صورة جميلة إن كان عملا صالحا وبالضد إن كان بالضد. ويجوز أن يكون مجازا عن الثواب كما يقال «سترى إحسانك عند الملك» أي جزاءه إلا أن القول الأول أقوى لقوله ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى اللهم إلا أن يراد تراخي الرتبة والفائدة تعود إلى الوصف بالأوفى وهو الرؤية التي هي أوفى من كل واف أي يجزى العبد بسعيه الجزاء الأتم. وجوز أن يكون الضمير للجزاء ثم فسره بقوله الْجَزاءَ الْأَوْفى وأبدل عنه كقوله وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا [الأنبياء: ٣] ومن لطائف الآية أنه قال في حق المسيء أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ولا يلزم منه أن يبقى الوزر على المذنب بل يجوز أن يسقط عنه بالمحو والعفو، ولو قال «كل وازرة تزر وزر نفسها» لم يكن بد من بقاء وزرها عليها. وقال في حق المحسن «ليس له ما سعى» ولم يقل «ليس له ما لم يسع» إذ العبارة الثانية لا يلزمها أن له ما سعى، والعبارة الأولى يلزمها ذلك لأنها في قوة كلامين إثبات ونفي والحاصل أنه قال في حق المسيء بعبارة لا تقطع رجاءه، وفي حق المحسن بعبارة توجب رجاءه كل ذلك لأن رحمته سبقت غضبه. قوله وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى المشهور أن فيه بيان المعاد كقوله عز

<<  <  ج: ص:  >  >>