للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ منقلع عن مغارسه. وفي هذا التشبيه إشارة إلى جثثهم الطوال العظام، ويجوز أن الريح كانت تقطع رؤوسهم فتبقى أجسادا بلا رؤوس كأعجاز النخل أصولا بلا فروع. قال النحويون: اسم الجنس الذي تميز واحده بالتاء جاز في وصفه التذكير كما في الآية، والتأنيث كما في قوله أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ [الحاقة: ٧] هذا مع أن كلا من السورتين وردت على مقتضى الفواصل. قوله أَبَشَراً من باب ما أضمر عامله على شريطة التفسير وإنما أولى حرف الاستفهام ليعلم أن الإنكار لم يقع على مجرد الاتباع ولكنه وقع على اتباع البشر الموصوف وأنه من جهات إحداها كونه بشرا وذلك لزعمهم أن الرسول لا يكون بشرا. الثانية كونه منهم وفيه بيان قوة المماثلة، وفيه بيان مزيد استكبار أن يكون الواحد منهم مختصا بالنبوة مع أنهم أعرف بحاله. الثالثة كونه واحدا، أي كيف تتبع الأمة رجلا أو أرادوا أنه واحد من الآحاد دون الأشراف. والسعر النيران جميع سعير للمبالغة، أو لأن جهنم دركات، أو لدوام العذاب كأن يقول: إن لم تتبعوني كنتم في ضلال عن الحق وفي سعر فعكسوا عليه قائلين: إن اتبعناك كنا إذا كما تقول. وقيل: الضلال البعد عن الصواب، والسعر الجنون ومنه «ناقة مسعورة» وفي قوله أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا تصريح بما ذكرنا من أن واحدا منهم كيف اختص بالنبوة. وفي الإلقاء أيضا تعجب آخر منهم وذلك أن الإلقاء إنزال بسرعة كأنهم قالوا: الملك جسم والسماء بعيدة فكيف نزل في لحظة واحدة؟ أنكروا أصل الإلقاء ثم الإلقاء عليه من بينهم. والأشر البطر المتكبر أي حمله بطره وشطارته على ادعاء ما ليس له. ثم قال سبحانه تهديدا لهم ولأمثالهم سَيَعْلَمُونَ غَداً أي فيما يستقبل من الزمان هو وقت نزول العذاب أو يوم القيامة مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ بالتشديد أي الأبلغ في الشرارة. وحكى ابن الأنباري أن العرب تقول: هو أخير وأشر. وذلك أصل مرفوض. ومن قرأ ستعلمون على الخطاب فإما حكاية جواب صالح أو هو على طريقة الالتفات. ثم إنه تعالى خاطب صالحا بقوله إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ أي مخرجوها من الصخرة كما سألوا فتنة وامتحانا لهم. فَارْتَقِبْهُمْ وتبصر ما هم فاعلون بها وَاصْطَبِرْ على إيذائهم وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ أي مقسوم بَيْنَهُمْ خص العقلاء بالذكر تغليبا كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ فيه يوم لها ويوم لهم كما قال عز من قائل لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ [الشعراء: ١٥٥] وقد مر في «الشعراء» . وقال في الكشاف:

محضور لهم وللناقة وفيه إبهام. وقيل: يحضرون الماء في نوبتهم واللبن في شربها فَنادَوْا صاحِبَهُمْ وهو قدار نداء المستغيث وكان أشجع وأهجم على الأمور أو كان رئيسهم.

فَتَعاطى فاجترأ على الأمر العظيم فتناول العقر وأحدثه بها أو تعاطى الناقة أو السيف أو

<<  <  ج: ص:  >  >>