للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّهِ

ظرف وخالِصَةً حال والعامل «كان» أو الاستقرار. الثالث: أن يكون عِنْدَ اللَّهِ هو الخبر وخالِصَةً حال والعامل فيها إما عند، أو ما يتعلق به أو «كان» أو «لكم» وسوغ أن يكون عِنْدَ خبر كانَتْ لَكُمُ إذ كان فيه تخصيص وتبيين نحو وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ [الإخلاص: ٤] وقوله مِنْ دُونِ النَّاسِ نصب ب خالِصَةً لأنك تقول: خلص كذا من كذا. والمراد بالدار الآخرة الجنة لأنها هي المطلوبة من الدار الآخرة دون النار. والمراد بقوله عِنْدَ اللَّهِ الرتبة والمنزلة، وحمله على عندية المكان ممكن هاهنا إذا لعلهم كانوا مشبهة. ومعنى خالصة لكم أي سالمة خاصة بكم لا حق لأحد فيها سواكم. «ودون» هاهنا يفيد التجاوز والتخطي في المكان كما تقول لمن وهبته منك ملكا: هذا لك من دون الناس.

أي لا يتجاوز منك إلى غيرك. والناس للجنس وقيل للعهد وهم المسلمون والجنس أولى لقوله وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى [البقرة: ١١١] ولأنه لم يوجد هاهنا معهود. فإن قلت: من أين ثبت أنهم ادعوا ذلك؟ قلنا: لأنه لا يجوز أن يقال في معرض الاستدلال على الخصم إن كان كذا وكذا فافعل كذا إلا والأول مذهبه ليصح إلزامه بالثاني، ولقوله تعالى وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى [البقرة: ١١١] نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ [المائدة: ١٨] ولما اعتقدوا في أنفسهم أنهم هم المحقون، لأن النسخ غير جائز عندهم، ولزعمهم أن آباءهم الأنبياء يشفعون لهم ويوصلونهم إلى ثواب الله فلهذه الأسباب عظموا شأن أنفسهم وكانوا يفتخرون على العرب، وربما جعلوه كالحجة في أن النبي صلى الله عليه وسلم المنتظر المبشر به في التوراة منهم لا من العرب، وكانوا يصرفون الناس بسبب هذه الشبهة عن اتباع محمد صلى الله عليه وسلم، فبين الله تعالى فساد معتقدهم بالآية. وبيان الملازمة أن متاع الدنيا قليل في جنب نعم الآخرة، وذلك القليل كان أيضا منغصا عليهم بعد ظهور محمد صلى الله عليه وسلم ومنازعته معهم بالجدال والقتال. فالموت خير لهم لا محالة لأنه يوصل إلى الخيرات الكثيرة الدائمة الصافية عن النغص، ولا يفوت إلا القليل النكد. والوسيلة وإن كانت مكروهة نظرا إلى ذاتها لكنه لا يتركها العاقل نظرا إلى غايتها كالفصد ونحوه. والنهي عن تمني الموت في

قوله صلى الله عليه وسلم «لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به وإن كان ولا بد فليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا إليّ وأمتني ما كانت الوفاة خيرا لي» «١»

محمول على تمن سببه عدم الصبر على الضر ونكد العيش كما قال قائل:


(١) رواه البخاري في كتاب المرضى باب ١٩. مسلم في كتاب الذكر حديث ١٠، ١٣. أبو داود في كتاب الجنائز باب ٩. النسائي في كتاب الجنائز باب ١. ابن ماجه في كتاب الزهد باب ٣١. الدارمي في كتاب الرقاق باب ٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>