محمدا أو الإنسان القرآن كما يليق بفهمهم على حسب استعدادهم ولعله يلزم من الوجه الأخير شبه تكرار من قوله خَلَقَ الْإِنْسانَ عَلَّمَهُ الْبَيانَ فالأول إشارة إلى قواه البدنية والثاني إشارة إلى قواه النطقية، ويلزم منه أيضا أن يكون التعليم قبل الخلق ظاهرا إلا أن يكون تفصيلا لما أجمله. وقد نقل عن ابن عباس أن الإنسان آدم علمه الأسماء كلها، أو محمد صلى الله عليه وسلم. والبيان القرآن فيه بيان ما كان وما سيكون إلى يوم القيامة. قوله الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ أي بحسبانه استغنى عن الوصل اللفظي بالربط المعنوي لرعاية الفاصلة يعني أنهما يجريان في بروجهما ومنازلهما بحساب معلوم وَالنَّجْمُ وهو النبات بغير ساق وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ بالانقياد له. وإنما وسط العاطف بين هاتين الجملتين لما بين العلوي والسفلي من تناسب التقابل، ولما بين الحسبان والسجود من تناسب التجانس، وذلك لأن سيرهما بحساب مقدّر مقرر وهو من جنس الانقياد لأمر الله وَالسَّماءَ رَفَعَها قال في الكشاف: أي خلقها مرفوعة مسموكة حيث جعلها منشأ أحكامه ومصدر قضاياه ومسكن ملائكته الذين يهبطون بالوحي على أنبيائه. قلت: إنه حمل الرفع على ارتفاع المنزلة ولعل المراد به الرفع الحسي ليطابق قوله وَالْأَرْضَ وَضَعَها أي خفضها في مركز العالم مدحوة محاطة بالماء. نعم لو جعل وضع الأرض عبارة عن ذلها وتسخيرها كقوله هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا [الملك: ١٥] صح تفسيره وإنما وسط قوله وَوَضَعَ الْمِيزانَ بين رفع السماء ووضع الأرض لأنه لا ينتفع بالميزان إلا إذا كان معلقا في الهواء بين الأرض والسماء وهذا أمر حسي، وأما العقلي فهو أنه بدأ أولا من النعم بذكر القرآن الذي هو بيان الشرائع والتكاليف، ثم أتبعه ذكر كيفية خلق الإنسان وقواه النفسانية وما يتم به معاشه من السماويات والأرضيات، ثم ذكر أنه خلق لأجلهم آلة الوزن بها يقيمون العدالة في ومعاملاتهم وأمور تمدنهم فصار كما مر في حم عسق اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ الشورى: ١] وكما يجيء في الحديد وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ [الآية: ٢٥] وأن في قوله أَلَّا تَطْغَوْا مفسرة أو ناصبة أي لأن لا تتجاوز حد الاعتدال في شأن هذه الآية أي في شأن الوزن. ثم أكد بقوله إثباتا ونفيا وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ قوّموه أو قوموا لسان الميزان بالعدل وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ أي لا تجعلوها سببا للخسران والتطفيف.
وفي تكرير لفظ الميزان بل في ورود هذه الجمل المتقاربة الدلالة مكررة إشارة إلى الاهتمام بأمر العدل وندب إليه وتحريض عليه. وقيل: الأول ميزان الدنيا والثاني ميزان الآخرة والثالث ميزان العقل. وقيل: نزلت متفرقة فاقتضى الإظهار. قوله لِلْأَنامِ أي لكل ما على ظهر الأرض من دابة. وقيل: للإنسان. وخص بالذكر لشرفه ولأن الباقي خلق لأجله فِيها فاكِهَةٌ التنوين للتعظيم وهي كل ما يتفكه به. وقد أفرد النخل بالذكر للتفضيل ولأنه فاكهة