المفسرين فقالوا. أعني به الشرك. وعن الشعبي: هو اليمين الغموس وذلك أنهم كانوا يحلفون أنهم لا يبعثون يدل عليه ما بعده وقد مر مثله في «الصافات» . واعلم أنه سبحانه ذكر في تفصيل الأزواج الثلاثة نسقا عجيبا وأسلوبا غريبا. وذلك أنه لم يورد في التفصيل إلا ذكر صنفين. أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة. ثم بعد ما عجب منهما بين حال الثلاثة السابقين وأصحاب اليمين وأصحاب الشمال فأقول وبالله التوفيق: هذا كلام موجز معجز فيه لطائف خلت التفاسير عنها منها: أنه طوى ذكر السابقين في أصحاب الميمنة لأن كلا من السابقين ومن أصحاب اليمين أصحاب اليمن والبركة كما أن أصحاب الشمال أهل الشؤم والنكد، وكأن في هذا الطي إشارة إلى
الحديث القدسي «أوليائي تحت قبابي لا يعرفهم غيري»
ومنها أن ذكر السابقين وقع في الوسط باعتبار وخير الأمور أوسطها، وفي الأول باعتبار والأشراف بالتقديم أولى، وفي الآخر باعتبار ليكون إشارة إلى
قوله صلى الله عليه وسلم «نحن الآخرون السابقون»«١»
ومنها أن مفهوم السابق متعلق بمسبوق، فما لم يعرف ذات المسبوق لم يحسن ذكر السابق من حيث هو سابق. فهذا ما سنح للخاطر وسمح به والله تعالى أعلم بمراده.
ثم أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يقرر لهم ما شكوا فيه فقال قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ أي ينتهي أمر جميعهم إلى وقت يَوْمٍ مَعْلُومٍ عند الله وفيه رجوع إلى أول السورة. ولما كرر ذكر المعاد بعبارات شتى ذكر طرفا من حال المكذبين المعاصرين ومن ضاهاهم فقال ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ عن الهدى الْمُكَذِّبُونَ بالبعث لَآكِلُونَ أي في السموم المذكور مِنْ شَجَرٍ هو للابتداء مِنْ زَقُّومٍ هو للبيان فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ أنت الضمير بتأويل الشجرة قال جار الله: عطف الشاربين على الشاربين لاختلافهما اعتبارا وذلك أن شرب الماء المتناهي الحرارة عجيب وشربه كشرب الهيم أعجب. والهيم الإبل التي بها الهيام وإذا شربت فلا تروى واحدها أهيم والمؤنث هيماء وزنه «فعل» كبيض. وجوز أن يكون جمع الهيام بفتح الهاء وهو الرمل الذي لا يتماسك كسحاب وسحب. ثم خفف وفعل به ما فعل بنحو جمع أبيض والمعنى أنه يسلط عليهم الجوع حتى يضطروا إلى أكل الزقوم. ثم يسلط عليهم العطش إلى أن يضطروا إلى شرب الحمم كالإبل الهيم نَحْنُ خَلَقْناكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ بالبعث بعد الخلق فإن من قدر على البدء كان على الإعادة أقدر. ثم برهن على أنه لا خالق إلا هو فقال أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ
(١) رواه البخاري في كتاب الوضوء باب ٦٨ كتاب الجنة باب ١، ١٢ مسلم في كتاب الجمعة حديث ١٩، ٢١ النسائي في كتاب الجمعة باب ١ الدارمي في كتاب المقدمة باب ٨ [.....]