للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالمحرمة في وصف الحل والحرمة كذب، وإن كان إنشاء كان معناه أن الشرع جعله سببا في حصول الحرمة، ولما لم يرد الشرع بهذا السبب كان الحكم به كذبا وزورا ولهذا أوجب الله سبحانه الكفارة على صاحب القول بعد العود. سؤال آخر قوله تعالى إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ ظاهره يقتضي أنه لا أم إلا الوالدة لكنه قال في موضع آخر وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ [النساء: ٢٣] وقال وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ [الأحزاب: ٦] أجاب في الكشاف بأنه يريد أن الأمهات على الحقيقة إنما هن الوالدات وغير هن ملحقات بهن لدخولهن في حكمهن بسبب الإرضاع، أو لكونها زوجة النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو أبو الأمة. وأما الزوجات فلسن من أحد القبيلين وكان قول المظاهر منكرا لمخالفة الحقيقة وزورا لعدم موافقة الشرع. قوله ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا قال الفراء: لا فرق في اللغة بين قولك عاد لما قال وإلى ما قال وفيما قال. وقال أبو علي الفارسي: كلمة إلى واللام يتعاقبان قال الله تعالى الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا [الأعراف: ٤٣] وقال فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ [الصافات: ٢٣] وقال أهل اللغة: إذا قال قائل عاد لما فعل جاز أن يريد أنه فعله مرة أخرى وهذا ظاهر، وجاز أن يريد أنه نقض ما فعل لأن التصرف في الشيء بالإعدام لا يمكن إلا بالعودة إليه، وإلى هذا ذهب أكثر المجتهدين إلا أن الشافعي قال: معنى العود لما قالوا السكوت عن الطلاق بعد الظهار زمانا يمكنه أن يطلقها فيه، وذلك أنه لما ظاهر فقد قصد التحريم فإن وصل ذلك بالطلاق فقد تمم ما شرع فيه من إيقاع التحريم ولا كفارة عليه، فإذا سكت عن الطلاق دل على أنه ندم على ما ابتدأه من التحريم فحينئذ تجب عليه الكفارة.

واعترض أبو بكر الرازي في أحكام القرآن عليه من وجهين: الأول أنه تعالى قال ثُمَّ يَعُودُونَ وكلمة «ثم» تقتضي التراخي. وعلى قول الشافعي يكون المظاهر عائدا عقيب القول بلا تراخ وهذا خلاف مفهوم الآية. الثاني أنه شبهها بالأم والأم لا يحرم إمساكها فلا يكون إمساك الزوجة نقضا لما قال. وأجيب عن الأول بأنه يوجب أن لا يتمكن المظاهر من العود إليها بهذا التفسير عقيب فراغه من التلفظ بلفظ الظهار حتى يحصل التراخي مع أن الأمة مجمعة على أن له ذلك. والتحقيق أن العبرة بالحكم ونحن لا نحكم بالعود ما لم ينقض زمان يمكنه أن يطلقها فيه فقد تأخر كونه عائدا عن كونه مظاهرا بهذا القدر من الزمان وهذا يكفي في العمل بمقتضى كلمة «ثم» . وعن الثاني أن المراد إمساكها على سبيل الزوجية واللفظ محتمل لهذا وإمساك الأم بهذا الوجه محرم. وقال أبو حنيفة: معناه استباحة الوطء والملامسة والنظر إليها بالشهوة، وذلك أنه لما شبهها بالأم في حرمة هذه الأشياء ثم قصد استباحتها كان مناقضا لقوله «أنت عليّ كظهر أمي» . وقال مالك: العود إليها عبارة عن

<<  <  ج: ص:  >  >>