مثل تلك النجوى وهو ظاهر. وقال جمع من المفسرين: وهو خطاب للمنافقين الذين آمنوا باللسان دون مواطأة القلوب. وأعلم أن المناجاة إذا كانت على طريقة البر والتقوى فقلما تقع الداعية إلى كتمانها فلا تكره النجوى ولا يتأذى بها أحد إذا عرفت سيرة المناجي فلهذا أمر الله سبحانه أن لا يقع التناجي إلا على وجه البر.
قوله إِنَّمَا النَّجْوى الألف واللام فيه لا يمكن أن تكون للاستغراق أو للجنس، فمن النجوى ما تكون ممدوحة لاشتمالها على مصلحة دينية أو دنيوية فهي إذن للعهد وهو التناجي بالإثم والعدوان زينه الشيطان لأجلهم لِيَحْزُنَ الشيطان، أو التناجي المؤمنين وكانوا يقولون ما نراهم متناجين إلا وقد بلغهم عن أقاربنا الذين خرجوا إلى الغزوات أنهم قتلوا أو هربوا. ثم بين أن الشيطان أو الحزن لا يضر المؤمن أصلا إلا بمشيئة الله وإرادته.
عن النبي صلى الله عليه وسلم «إذا كنتم ثلاثة فلا يتناج اثنان دون صاحبهما فإن ذلك يحزنه»«١»
وفي رواية «دون الثالث» .
وحين نهى تعالى عباده المؤمنين عما يكون سببا للتباغض والتنافر حثهم على ما يوجب مزيد المحبة والألفة. والتفسح في المجلس التوسع لله والمراد مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يتضامّون فيه تنافسا في القرب منه وحرصا على استماع كلامه. ومن قرأ على الجمع جعل لكل جالس مجلسا على حدة. وقيل: هو المجلس من مجالس القتال أي مراكز القتال. كان الرجل يأتي الصف فيقول: تفسحوا. فيأبون حرصا على الشهادة. والقول الأول أصح.
قال مقاتل بن حيان: كان صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة في الصفة وفي المكان ضيق وكان يكرم أهل بدر من المهاجرين والأنصار، فجاء ناس من أهل بدر وقد سبقوا إلى المجلس فقاموا حيال النبي صلى الله عليه وسلم ينتظرون أن يوسع لهم، فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يحملهم على القيام وشق ذلك على الرسول فقال لمن حوله من غير أهل بدر: قم يا فلان قم يا فلان. فلم يزل كذلك حتى أقعد النفر الذين هم قيام بين يديه فعرفت الكراهية في وجه من أقيم من مجلسه، وطعن المنافقون في ذلك قالوا: والله ما عدل على هؤلاء وإن قوما أخذوا مجالسهم وأحبوا القرب منه فأقامهم فأجلس من أبطأ عنه فنزلت وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا
أي انهضوا للتوسعة على المقبلين فانشزوا ولا تملوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالارتكاز فيه يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ أيها الممتثلون والعالمين منهم خاصة دَرَجاتٍ قال بعض أهل العلم: المراد به الرفعة في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم وهو مناسب للمقام