ممتحن مبتلى هو نبي أو ولي. وأجيب بأن حاصل القياس والاعتبار يرجع إلى أن الغادر الكافر معذب أعم من أن يكون بالتخريب أو بالقتل أو في الدنيا أو في الآخرة والعكس لا يلزم. وقيل: معنى الاعتبار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدهم أن يورثهم أرضهم وأموالهم بغير قتال فكان كما وقع فدل على صحة نبوّته. والجلاء أن لم يبق لهم بالمدينة دار ولا فيها منهم ديار وهذا عندهم أشدّ من الموت فلهذا قال وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا بالقتل وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ بعد ما عاينوا في الدنيا عَذابُ النَّارِ ذلِكَ التخريب أو الجلاء أو العذاب بسبب مخالفتهم وعصيانهم الله ورسوله. قالت الفقهاء: فيه دليل على أن تخصيص العلة المنصوصة لا يقدح في صحتها فليس أينما حصلت هذه المشاقة حصل التخريب.
يروى أنه صلى الله عليه وسلم حين أمر أن يقطع نخلهم ويحرق قالوا: يا محمد قد كنت تنهى عن الفساد في الأرض فما بال قطع النخل وتحريقها؟ فكان في أنفس المؤمنين من ذلك شيء فأنزل الله تعالى ما قَطَعْتُمْ
محله نصب ومِنْ لِينَةٍ بيان له كأنه قيل: أي شيء قطعتم من لينة وهي النخلة من الألوان ما خلا العجوة والبرنية وهما أجود النخل. وياؤها واو في الأصل كالديمة. وقيل: هي النخلة الكريمة من اللين فتكون الياء أصلية، فبين الله تعالى أن ذلك جائز غيظا لقلوب الكفرة. واحتج الفقهاء بها على جواز هدم حصون الكفار وقلع أشجارهم. وعن ابن مسعود: قطعوا منها ما كان موضعا للقتال.
وروي أن رجلين كان يقطع أحدهما العجوة والآخر يترك فسألهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هذا: تركتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال هذا: قطعتها غيظا للكفار.
وقد يستدل بهذا على جواز الاجتهاد ولو بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أن كل مجتهد مصيب.
قوله وَما أَفاءَ اللَّهُ أدخل العاطف هاهنا دون الأخرى لأن تلك بيان لهذه فهي غير أجنبية عنها والأولى معطوفة على ما قبلها. ومعنى أفاء جعله فيئا من فاء إذا رجع وذلك لرجوعه من ملك الكفار إلى ملك المسلمين. والإيجاف من الوجيف وهو السير السريع.
وقوله عَلَيْهِ أي على ما أفاء. والركاب ما يركب من الإبل واحدتها راحلة ولا واحد لها من لفظها، وقلما تطلق العرب الراكب إلا على راكب البعير، بين الله سبحانه الفرق بين الغنيمة والفيء حين طلب الصحابة أن يقسم أموال أولئك اليهود بينهم اعترض بعضهم بأن أموال بني النضير أخذت بعد القتال لأنهم حوصروا أياما وقاتلوا وقتلوا ثم صالحوا على الجلاء فوجب أن تكون تلك الأموال من الغنيمة لا من الفيء. وأجاب المفسرون من وجهين: الأول أنها لم تنزل في بني النضير وإنما نزلت في فدك ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق على نفسه وعلى عياله من غلة فدك ويجعل الباقي في السلاح والكراع. الثاني تسليم