أن تفتدي منه. قوله وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ تخصيص للحامل بالنفقة لأجل الحمل وإن كانت بائنة. هذا عند الشافعي، وأما عند أبي حنيفة ففائدته أن مدة الحمل ربما تطول فيظن ظان أن النفقة تسقط إذا مضى مقدار عدة الحامل فنفى ذلك الوهم، وأما الحامل المتوفى عنها فالأكثرون على أنه لا نفقة لها لوقوع الإجماع على من أجبر الرجل على إنفاقه من امرأة أو ولد صغير لا يجب أن ينفق عليه من ماله بعد موته فكذلك الحامل.
وعن علي وعبد الله وجماعة ومنهم الشافعي أنهم أوجبوا نفقتها.
ثم بين أمر الطفل قائلا فَإِنْ أَرْضَعْنَ أي هؤلاء المطلقات لَكُمْ أي لأجلكم ولدا منهن أو من غيرهن بعد انفصام عرى الزوجية. وهذه الإجارة لا تجوز عند أبي حنيفة وأصحابه إذا كان الولد منهن ما لم تحصل البينونة. وجوز الشافعي مطلقا كلما صار. ثم خاطب الآباء والأمهات جميعا بقوله وَأْتَمِرُوا قال أهل اللغة: الائتمار بمعنى التآمر كالاشتوار بمعنى التشاور أي ليأمر بعضكم بعضا بالجميل وهو المسامحة وأن لا يماكس الأب ولا تعاسر الأم لأنه ولدهما معا وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ أي أظهرتم من أنفسكم العسر والشدة في أمر مؤنة الإرضاع فَسَتُرْضِعُ أي الطفل لَهُ أي للأب مرضعة أُخْرى وفيه طرف من معاتبة الأم على التعاسر كما تقول لمن تطلب منه حاجة وهو يتأنى في قضائها: سيقضيها قاض. يريد لا تبقى غير مقضية وأنت ملوم. ثم بين أن ما أمر به من الإنفاق على المطلقات والمرضعات هو بمقدار الوسع والطاقة كما في «البقرة» على الموسر قدره وعلى المقتر قدره إلى أن يفتح الله أبواب الرزق عليهم. ثم هدد من خالف الأحكام المذكورة بأحوال الأمم السابقة. والحساب الشديد أي بالاستقصاء والمناقشة، والعذاب النكر أي المنكر الفظيع.
يحتمل أن يراد بهما حساب الدنيا وعذابها وهو إحصاء صغائرهم وكبائرهم في ديوان الحفظة وما أصاب كل قوم من الصيحة ونحوها عاجلا، وأن يراد عذاب الآخرة وحسابها. ولفظ الماضي لتحقق الوقوع مثل وَسِيقَ [الزمر: ٧٢] وَنادى [الأعراف: ٣٨] وعلى هذا يكون قوله أَعَدَّ اللَّهُ تكريرا للوعيد وبيانا لكونه مترقبا كأنه قال: أعد الله لهم هذا العذاب فاحذروا مثله يا أُولِي الْأَلْبابِ وجوز جار الله أن يكون عَتَتْ وما عطف عليه صفة للقرية وأَعَدَّ اللَّهُ عاملا في كَأَيِّنْ. قوله رَسُولًا قال جار الله: هو جبرائيل أبدل من ذِكْراً لأنه وصف بتلاوة آيات الله وكان إنزاله في معنى إنزال الذكر فصح إبداله منه، أو أريد بالذكر الشرف كقوله وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ [الزخرف: ٤٤] فأبدل منه كأنه في نفسه شرف إما لأنه شرف للمنزل عليه وإما لأنه ذو مجد وشرف عند الله، أو جعل لكثرة ذكره الله وعبادته كأنه ذكر، أو أريد ذا ذكر أي ملكا مذكورا في السموات وفي الأمم كلها،