حال والشيء لا يوقت بنفسه فلا يقال: ألا يعلم وهو عالم ولكن، ألا يعلم كذا وهو عالم بكل شيء قلت: أما قوله وَهُوَ اللَّطِيفُ حال فممنوع ولم لا يجوز أن يكون مستأنفا، وعلى تقدير تسليمه فليس معنى قوله أَلا يَعْلَمُ متروك المفعول على تقدير كون «من» مرفوع المحل حتى يلزم توقيت الشيء بنفسه، بل المعنى ألا يتصف الخالق بالعلم والحال أن علمه وصل إلى بواطن الأشياء وخبايا الأمور. وذلك أن المتصف بالأخص متصف بالأعم ضرورة. قوله هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قال أهل النظم: وجه التعلق أنه سبحانه وتعالى قال: أيها الكافرون أنا عالم بسركم وجهركم فكونوا خائفين مني محترزين من عقابي فهذه الأرض التي تمشون في مناكبها وتعتقدون أنها أبعد الأشياء عن الإضرار بكم أنا الذي ذللتها لكم وإن شئت خسفت بكم إياها، والذلول من كل شيء المنقاد الذي يذل لك، ومن ذلها أنه ما جعلها خشنة يمتنع المشي عليها، ولا صلبة بحيث لا يمكن حفرها والبناء عليها، ولا متحركة على الاستقامة واستدارة، بل جعلها ساكنة في جو الهواء عند المركز. قال جار الله: المشي في مناكبها مثل لفرط التذليل لأن ملتقى المنكبين من الغارب أبعد شيء من أن يطأه الراكب بقدمه ويعتمد عليه، فإذا كان هذا الموضع ذلولا فما ظنك بغيره، وعن ابن عباس والضحاك وقتادة أن مناكب الأرض جبالها وآكامها، وإذا كانت هذه الأمكنة مع شخوصها وارتفاعها مذللة فغيرها أولى. قال الحسن ومجاهد والكلبي ومقاتل، وهو رواية عطاء عن ابن عباس واختاره الفراء وابن قتيبة: أن مناكبها جوانبها وطرقها، ومنكبا الرجل جانباه فيكون كقوله وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلًا فِجاجاً [نوح: ١٩، ٢٠] وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ الذي خلق لكم في الأرض ولا يخفى أن الأمر بالمشي والأكل للإباحة. ثم قال وَإِلَيْهِ النُّشُورُ يعني ينبغي أن يكون مشيكم في الأرض وأكلكم من رزق الله مشي من يعلم وأكل من يتيقن أن المصير إلى الله، والمراد التحذير من المعاصي سرا وجهرا. ثم بين أن بقاءهم سالمين على هذه الأرض إنما هو بفضل الله ولو شاء لخسف بهم الأرض أو أمطر عليهم مطر القهر، واستدلال المشبهة بقوله مَنْ فِي السَّماءِ ظاهر. وأهل السنة يتأولونه بوجوه منها: قول أبي مسلم أن العرب كانوا يقرون بوجود الإله لكنهم يزعمون أنه في السماء فقيل لهم على حسب اعتقادهم أَأَمِنْتُمْ مَنْ تزعمون أنه فِي السَّماءِ ومنها قول جمع من المفسرين أأمنتم من في السماء ملكوته أو
سلطانه أو قهره لأن العادة جارية بنزول البلاء من السماء. ومنها قول آخرين أن المراد جبرائيل يخسف بهم الأرض بأمر الله والمور حركة في اضطراب وقد مر في «الطور» .
والحاصب ريح فيها حصباء وقد مر أيضا. ثم هدد وأوعد قائلا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ قال