الظاهر قد أغنى عن الضمير كما في قوله وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ [الأحزاب: ٣٥] والهاء في كِتابِيَهْ وغيره هاء السكت ومن هاهنا تثبت في الوقف وتسقط في الوصل لكنه استحب التلفظ بها في الوصل عند جماعة اتباعا لوجودها في المصحف، وإنما قال مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ ابتهاجا وفرحا. وقيل: يقول ذلك لأهل بيته وقرابته.
وفي قوله إِنِّي ظَنَنْتُ وجوه كما مر في قوله الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ [البقرة: ٤٦] ومما يختص بالمقام قول بعضهم أنه أراد الظن في الدنيا لأن أهل الدنيا لا يوقنون بنيل الدرجات، وفي هذا الوجه نظر لأنهم كانوا غير قاطعين بالجنة إلا أنهم يجب أن يقطعوا بالحساب والجزاء.
وعن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال إن الرجل يؤتى به يوم القيامة ويؤتى بكتابه فتكتب حسناته في ظهر كفه وتكتب سيئاته في بطن كفه فينظر إلى سيئاته فيحزن فيقال له: اقلب كفك فيرى حسناته فيفرح
ثم يقول هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ إِنِّي ظَنَنْتُ عند النظر الأولى أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ على سبيل الشدة، وأما الآن فقد فرج الله عني ذلك الغم، وأما في حق الأشقياء فيكون ذلك على الضد مما ذكرنا. ثم بين عاقبة أمره قائلا فَهُوَ فِي عِيشَةٍ فعلة من العيش للنوع راضِيَةٍ منسوبة إلى الرضا كالدارع والنابل للمنسوب إلى الدرع والنبل، وهذا من النسبة بالصيغة كما أن قولك «بصري» أو «هاشمي» من النسبة بالحروف، ويجوز أن يكون من الإسناد المجازي كقولك «نهاره صائم» جعل الصوم للنهار وهو لصاحبه كذلك هاهنا جعل الرضا للعيشة وهو لصاحبها فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ درجاتها لأنها فوق السموات على تفاوت الطبقات أو في جنة رفيعة المباني والقصور والأشجار قُطُوفُها دانِيَةٌ ثمارها قريبة التناول. والقطوف جمع قطف بالكسر وهو المقطوف كالطحن بمعنى المطحون.
يروى أن ثمارها يقرب تناولها للقائم والجالس والمضطجع وإن أحب أن تدنو دنت كُلُوا على إرادة القول وهَنِيئاً مصدر أو صفة كما مر في «الطور» . جمع الخطاب في كُلُوا مع أنه وحد الضمير في قوله أُوتِيَ وغيره حملا على لفظ من ثم على معناه. والغرض من هذا الأمر التوقير والعرض لا التكليف. ومن قال بالإباحة ليس بتكليف فلا إشكال.
وقوله بِما أَسْلَفْتُمْ كقوله في «الطور» بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الآية: ١٩] والإسلاف في اللغة تقديم ما ترجو أن يعود عليك بخير فهو كالافتراض ومنه يقال «أسلف في كذا» إذا قدم فيه ماله. والمعنى بسبب ما عملتم من الأعمال الصالحة في أيام الدنيا الماضية. وعن مجاهد والكلبي: هي أيام الصيام فيكون الأكل والشرب في الجنة بدل الإمساك عنهما في الدنيا. ثم أخذ في قصة الأشقياء. وإنما تمنى أنه لم يدر أي شيء حسابه لأنه كله عليه لا يعود منه إليه سوى الضر. والضمير في يا لَيْتَها عائد إلى الموتة الأولى يدل عليها سياق الكلام. ولعل