للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إليها للانتماء في النسب أو في إعداد النوائب. ومعنى ثُمَّ استبعاد الإنجاء عن الافتداء.

ثم أكد الاستبعاد بقوله كَلَّا وهو ردع للمجرم عن كونه بحيث يود افتداءه وتنبيه على أنه لا ينفعه ذلك. والضمير في إِنَّها للقصة كما ذكرنا أو للنار وإن لم يجر لها ذكر لدلالة العذاب عليها، ويجوز أن يعود إلى العذاب والتأنيث باعتبار الخبر لأن لَظى علم لنار جهنم. واللظى اللهب الخالص. والشوى الأطراف وهي اليدان والرجلان، والشوى أيضا جلد الرأس، الواحدة شواة، قال سعيد بن جبير: العصب والعقب ولحم الساقين واليدين تنزعها نزعا فتهلكها ثم يعيدها الله سبحانه. وفي قوله تَدْعُوا وجوه منها: أنها تدعوهم بلسان الحال كما قيل: سل الأرض من شق أنهارك وغرس أشجارك فإن لم تجبك جؤارا أجابتك اعتبارا. فههنا لما كان مرجع كل من الكفرة إلى دركة من دركات جهنم كأنها تدعوهم إلى نفسها. ومنها أن الله تعالى يخلق الكلام في جرم النار حتى تقول صريحا فصيحا: لى يا كافة الكفرة ثم تلتقطهم التقاط الحب. ومنها أن يكون على حذف المضاف أي تدعو زبانيتها. ومنها أن الدعاء بمعنى الإهلاك كقول العرب «دعاه الله» أي أهلكه مَنْ أَدْبَرَ أي عن الطاعة وَتَوَلَّى عن الإيمان وَجَمَعَ المال حرصا عليه فَأَوْعى جعله في وعاء وكنزه فلم يؤد حقوق الله فيه أصلا وهذه مجامع آفات النفس. ثم بين أن الإنسان بالطبع مائل إلى الأخلاق الذميمة فقال إِنَّ الْإِنْسانَ وهو الكافر عند بعضهم والأظهر العموم بدليل الاستثناء عقيبه خُلِقَ هَلُوعاً والهلع قلة الصبر وشدة الحرص كما فسره الله تعالى بقوله إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ أي الفقر والمرض ونحوه من المضار كان جَزُوعاً وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ أضداد ذلك كان مَنُوعاً

عن النبي صلى الله عليه وسلم «شر ما أعطي ابن آدم شح هالع وجبن خالع» «١»

قال أهل السنة: الحالة النفسانية التي هي مصدر الأفعال الاختيارية كالجزع والمنع لا شك أنها بخلق الله تعالى. بل الجزع والمنع أيضا من خلقه ولا اعتراض لأحد عليه خلق بعض الناس هلوعا وخلق المستثنين منهم غير هلوع بل مشغولي القلب بأحوال الآخرة، وكل ذلك تصرف منه في ملكه، وقالت المعتزلة: ليس المراد أنه مخلوق على هذا الوصف لأنه تعالى ذكره في معرض الذم والله تعالى لا يذم فعله. ولأنه تعالى استثنى منهم جماعة جاهدوا أنفسهم وظلفوها عن الشهوات. ولو كانت ضرورية لم يقدروا على تركها.

والجواب أن الذين خلقهم كذلك لم يقدروا على الترك والذين تركوها هم الذي خلقوا على هذا الوصف وهم أصناف ثمانية: الأول الذين يداومون على الصلوات والمراد منها أداؤها


(١) رواه أبو داود في كتاب الجهاد باب ٢١. أحد في مسنده (٣/ ٣٠٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>