للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأن التكميل والإحسان موجب المحبة وجبلت القلوب على حب من أحسن إليها والمحبة تقتضي الإقبال على المحبوب بالكلية لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وهو إشارة إلى كماله تعالى في ذاته والكمال محبوب لذاته، وهذا منتهى مقامات الطالبين وإنه يستدعي رفع الإختيار من البين وتفويض الأمر بالكلية إلى المحبوب الحقيقي حتى أن المحبوب لو كان رضاه في عدم التبتل إليه رضي المحب بذلك، وإن كان رضاه في التبتل والتوجه نحوه فهو المطلوب لا من حيث إنه تبتل بل من حيث إنه مراد المحبوب الحق جل ذكره. وقوله فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا كالنتيجة لما قبله، وفيه إن من لم يفوض كل الأمور إليه لم يكن راضيا بإلهيته معترفا بربوبيته، وفيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم أنه سيكفيه شر الكفار وأعداء الدين. ثم أمره بالصبر عند الاختلاط وبالهجر الجميل إذا أراد أن لا يخالطهم. والهجر الجميل أن يخالفهم بقلبه ويداريهم بالإغضاء وترك المكافآت ومن المفسرين من قال: إنه منسوخ بآية القتال وقد عرفت مرارا أنه لا ضرورة إلى التزام النسخ. في أمثال هذه الآية. ثم أمره بأن يخلي بينه وبين المكذبين أصحاب الترفه.

والنعمة بالفتح التنعم وهم صناديد قريش ولم يكن هناك منع ولكنه سبحانه أجرى الكلام على عادة المحاورات، والغرض أنه سبحانه يكفي في رفع شرور الكفرة ودفع إيذائهم ثم فصل ما سيعذب به أهل التكذيب مما يضاد تنعمهم. والإنكال جمع نكل بالكسر أو نكل بالضم وهي القيود الثقال. عن الشعبي: إذا ارتفعوا استلفت بهم. والطعام ذو الغصة هو الذي ينشب في الحلق كالزقوم والضريع فلا ينساغ، وقد يمكن حمل هذه الأمور على العقوبات الروحانية فالإنكال عبارة عن بقاء النفس في قيود العلائق الحسية والملكات الوهمية، والجحيم نيران الحسرة والحيرة نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة. ثم إنه يتجرع غصة الحرمان وألم الفراق الجلال والبقاء في ظلمة الضلال والتنوين في هذه الألفاظ للتعظيم أو النوع. ثم وصف اليوم فيه هذه الأحوال والأهوال فقال يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ الرجفة الزلزلة والكثيب الرمل المجتمع «فعلي» «بمعنى» «مفعول» من كثب الشيء جمعه. وقال الليث. الكثيب نثر التراب أو الشيء يرمي به. وسمي الكثيب كثيبا لأن ترابه دقاق كأنه نثر بعضه على بعض لرخاوته، والمهيل السائل تراب مهيل ومهيول أي مصبوب وإنما لم يقل كثيبة مهيلة لأنها بأسرها تجتمع فتصير واحدا، أو المراد كل واحد منها، وحين خوف المكذبين بأهوال الآخرة خوفهم بأهوال الدنيا مثل ما جرى على الأمم السالفة لا سيما فرعون وجنوده. وإنما خصص قصة موسى بالذكر لأن أمته أكثر الأمم الباقية ومعجزاته أبهر فكان تشبيه نبينا صلى الله عليه وسلم بحاله أنسب. ومعنى شاهِداً عَلَيْكُمْ كما مر في قوله وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً [البقرة: ١٤٣] إنما عرّف الرسول ثانيا لأنه ينصرف إلى المعهود

<<  <  ج: ص:  >  >>