الوغى» قوله فَإِذا نُقِرَ الفاء للتسبيب كأنه قال: اصبر على التكاليف المعدودة وعلى أذى المشركين فبين أيديهم يوم عسير يلقون فيه عاقبة أذاهم وتلقى عاقبة صبرك والفاء في فَذلِكَ للجزاء. وانتصب فَإِذا بما دل عليه الجزاء لأن المعنى: فإذا نقر في الناقور عسر الأمر على الكافرين «فاعول» من النقر كالهاضوم من الهضم، يشبه أن يكون البناء للآلة لأن الهاضوم ما به يهضم. فالناقور ما ينقر به وهو الصور باتفاق المفسرين، فكأنه آلة النقر أي النفخ وذلك أن النفخ سبب حدوث الصوت في المزامير كما أن النقر سبب الحدوث في الآلات ذوات الأوتار. قال الجوهري في الصحاح فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ أي نفخ في الصور. وقد يلوح من كلام الإمام فخر الدين الرازي في التفسير الكبير أن النقر غير النفخ.
وهكذا من كلام الحليمي في كتاب «المنهاج» وذلك أنه قال: جاء في الأخبار إن في الصور ثقبا بعدد الأرواح كلها فإذا نفخ فيه للإصعاق جمع بين النقر و «النفخ» لتكون الصيحة أهول وأعظم. وإذا نفخ فيه للإحياء لم ينقر فيه. واقتصر على النفخ لأن المراد إرسال الأرواح من ثقب الصور إلى أجسادها ويظهر من فحوى كلامه أنه حمل هذا النقر على أنه مقرون بالنفخة الأولى بعد أن أثبت المغايرة. ومن المفسرين من ذهب إلى أن النفخة الثانية أهول لأنه سبحانه أخبر أن ذلك الوقت شديد على الكافرين، والإصعاق ليس بشديد عليهم ولذلك يقولون يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ [الحاقة: ٢٧] أي يا ليتنا بقينا على الموتة الأولى. قلت:
لا دليل في هذا لأن الإصعاق شديد عليهم لا محالة، ثم إذا جاءت النفخة الثانية رأوا من الأهوال ما تمنوا حالة الإصعاق. أو نقول: مبدأ الشدة من حين الإصعاق ثم يصير الأمر بعد ذلك أشد لأنهم يناقشون في الحساب وتسود وجوههم وتتكلم جوارحهم إلى غير ذلك من القبائح والأهوال، فلذلك يحتمل أن يكون إشارة إلى النقر ويتم الكلام بتقدير مضاف أي فَذلِكَ النقر يَوْمَئِذٍ نقر يَوْمٌ عَسِيرٌ فالعامل في يَوْمَئِذٍ هو النقر. ويجوز أن يكون إشارة إلى اليوم ويَوْمَئِذٍ مبني على الفتح ولكنه مرفوع المحل بدلا منه كأنّه قيل: فيوم النقر يوم عسير وقوله غَيْرُ يَسِيرٍ تأكيد كقولك «أنا محب لك غير مبغض» وفائدته أن يعلم أن عسره على الكافرين ولا يرجى زواله كما يرجى تيسير العسير من أمور الدنيا، أو يراد أنه عسير على الكل لأن أكثر الأنبياء يقول: نفسي نفسي والولدان يشيبون إلا أن الكافر يختص بمزيد العسر بحيث يكون اليسر منفيا عنه رأسا ويعلم هذا من تقديم الظرف.
روى المفسرون أن الوليد بن المغيرة المخزومي وجماعة من صناديد قريش كأبي جهل وأبي لهب وأبي سفيان والنضر بن الحارث وأمية بن خلف والعاصي بن وائل اجتمعوا وقالوا: ان وفود العرب يجتمعون في أيام الحج ويسألوننا عن أمر محمد فكل منا يجيب بجواب آخر فواحد