للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نظير لها ونَذِيراً تمييز من إحدى أي إنها لإحدى الدواهي إنذارا كما تقول: هي إحدى النساء عفافا وقيل نَذِيراً حال ومن غريب التفسير أن نَذِيراً متصل بأول السورة أي قم فأنذر نذيرا. ثم قال لِمَنْ شاءَ السبق أو هو خبر وما بعده وهو أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ مبتدأ كقولك لمن توضأ أن يصلي أنه مطلق لمن شاء السعي إلى الخير أو التخلف عنه. «أو» للتهديد كقوله فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ [الكهف: ٢٩] ويجوز أن يكون لِمَنْ شاءَ بدلا من قوله لِلْبَشَرِ أي إنها منذرة للذين إن شاؤا تقدموا ففازوا وإن شاؤا تأخروا فهلكو. واستدلال المعتزلة على أن العبد مختار ظاهر، والأشاعرة يحملونه على التهديد أو على أن فاعل شاء هو الله سبحانه أي لمن شاء الله منه التقدم أو التأخر. سلمنا أن الفاعل ضمير عائد إلى من لكن مشيئة العبد تابعة لمشيئة الله لقوله وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ ثم أكد المعنى المتقدم بقوله كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ أي ليس لامرئ إلا جزاء عمله كما مر نظيره في «الطور» . قال النحويون: التاء في رهينة ليست للتأنيث لأن «فعيلا» بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث، وإنما هي اسم بمعنى الرهن كالشتيمة بمعنى الشتم. وأقول أيضا: يحتمل أن تكون التاء للمبالغة إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ فإنهم فكوا رقابهم عن الرهن بسبب أعمالهم الحسنة كما يخلص الراهن رهنه بأداء الحق. قال الكلبي:

هم الذين كانوا على يمين آدم. وقال ابن عباس: هم الملائكة.

وعن علي عليه السلام وابن عمر: هم الأطفال.

قال الفراء: هذا القول أشبه بالصواب لأن الولدان لم يكتسبوا إثما يرتهنون به، ولأنه تعالى ذكر فيهم أنهم يتساءلون عن حال المجرمين وهذا إنما يليق بالولدان الذين لا يعرفون موجب دخول النار والأولون حملوا السؤال على التوبيخ والتخجيل. قال في الكشاف: معنى التساؤل عنهم أنهم يسأل بعضهم بعضا عن حالهم. أو يتساءلون غيرهم عنهم كقولك «دعوته أنا وتداعيناه نحن» . ثم زعم أن الوجه في قوله ما سَلَكَكُمْ على الخطاب مع أن سياق الكلام يقتضي الغيبة هو أنه حكاية قول المسئولين لأن المسئولين يلقون إلى السائلين ما جرى بينهم وبين المجرمين فيقولون قلنا لهم ما سلككم فِي سَقَرَ وقال غيره: المراد أن أصحاب اليمين كانوا يتساءلون عن المجرمين أين هم، فلما رأوهم قالوا لهم ما سلككم؟ وأقول: ولو فرض التكلم مع المجرمين زال الإشكال أي يتساءلون عن حال المجرمين أي عن حال أنفسهم وليس فيه إلا وضع المظهر مكان الضمير. وهذا التكرار مما جاء في القرآن وغيره من فصيح الكلام شائعا ذائعا كقوله فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا [الأعراف: ١٦٢] «أن يسألوا

<<  <  ج: ص:  >  >>