فَلَوْلا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ [الواقعة: ٨٣] والتراقي العظام المكتنفة ثغرة النحر من الجانبين واحدها ترقوة، والمراد زهوق الروح لأن متعلق النفس هو الروح الحيواني الذي منبعه القلب فإذا فارق المنبع لم يبق من آثاره في حواليه إلا قليل كما لو غارت العين لم يبق في نواحيها إلا أثر قليل من النداوة فيزول عن قرب. قوله وَقِيلَ مَنْ راقٍ
إن كان من الرقية يقال رقاه يرقيه إذا عوذه بما يشفيه ومنه
«بسم الله أرقيك من كل ما يؤذيك»«١»
فالقائل هم بعض أصحاب الميت وأقاربه، والاستفهام إما على أصله لأن العادة جارية على طلب الطبيب والراقي في وقت ما يشتد المرض، وإما بمعنى الإنكار أي من الذي يقدر أن يرقي هذا الإنسان المشرف على الموت، وإن كان اشتقاقه من الرقي الصعود ومنه المرقاة قال الله تعالى وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ [الإسراء: ٩٣] فالقائل بعض الملائكة يعني أيكم يرقي بروح هذا المحتضر ملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب. وعن ابن عباس: إن الملائكة يكرهون القرب من الكافرين فيقول ملك الموت: من يرقى بروح هذا الكافر؟ وقال الكلبي: يحضر العبد عند الموت سبعة أملاك من ملائكة العذاب مع ملك الموت فإذا بلغت نفس العبد التراقي نظر بعضهم إلى بعض أيهم يعرج بروحه إلى السماء وَظَنَّ المحتضر أي تيقن أَنَّهُ وقت الْفِراقُ عن الدنيا وأوان الفطام عن مألوفاتها. وفي التعبير عن اليقين هاهنا بالظن تهكم بالميت وإشارة إلى أن الإنسان لتهالكه على الدنيا وحرصه على الحياة العاجلة لا يكاد يقطع بحلول الأجل وإن لم يبق منه إلا حشاشة يسيرة، غايته أنه يغلب على ظنه الموت مع رجاء الحياة العاجلة لا يكاد يقطع بالموت. واستدل بهذه الآية على أن النفس باق بعد خراب البدن لأن الله سمى الموت فراقا والفراق والوصال صفة والصفة تستدعي وجود الموصوف. وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ فيه وجهان أحدهما: أنه كناية عن الشدّة كما مر في قوله يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ [القلم: ٤٢] أي اتصلت شدة فراق الدنيا وترك الأهل والولد والجاه وشماتة الأعداء وحزن الأولياء وغير ذلك بشدّة الإقبال على أحوال الآخرة وأهوالها. الثاني أن الساق هي العضو المخصوص. قال الشعبي: أما رأيته في النزع كيف يضرب بإحدى رجليه عى الأخرى؟ قال الحسن وسعيد بن المسيب: هما ساقاه التفتا في أكفانه. وقيل: التفاف ساقيه وهو أنه إذا مات يبست ساقاه ولصقت إحداهما بالأخرى.
(١) رواه البخاري في كتاب الطب باب ٣٨. مسلم في كتاب السلام حديث ٤٠. أبو داود في كتاب الطب باب ١٩. الترمذي في كتاب الجنائز باب ٤. ابن ماجه في كتاب الطب باب ٣٦، ٣٧. أحمد في مسنده (٦/ ٣٣٢) .