للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعطف الباقيين عليها بالفاء وثالثها أن الأولى ملائكة العذاب والباقية آيات القرآن على منوال ما سبق. قوله إِنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ جواب القسم ومعناه على ما قال الكلبي: كل ما توعدون به من الخير والشر لواقع. والأكثرون يخصونه بمجيء القيامة بدليل ذكر أماراتها بعده وهو قوله فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ أي أزيلت عن أماكنها بالانتثار وأذهب ضوءها بالانكدار وقد ورد كل منهما وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ [فاطر: ٢] وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ [التكوير: ٢] فذكروا في وجه الجمع بينهما أنه يجوز أن يمحق نورها ثم تنتثر بمحوق النور. وفسر الانتثار في الكشاف بمحق الذوات وفيه بعد لأن الانتثار غير الانعدام وإن أراد بالمحق غير هذا فعليه بالبيان قوله وَإِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ أي فتحت السماء فكانت أبوابا وَإِذَا الْجِبالُ نُسِفَتْ أي سيرت أجزاؤها في الهواء كالحب إذا نسف بالمنسف وقد مر في «طه» في قوله وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً [طه: ١٠٥] قال مجاهد والزجاج: المراد بأقتت الرسل تعيين الوقت الذي يحضرون فيه للشهادة على أممهم، وكان هذا الوقت مبهما عليهم قبل ذلك وقريب منه قول جار الله: إن معنى وقتت بلغت ميقاتها الذي كانت تنتظره وهو يوم القيامة. ثم عجب العباد من هول ذلك اليوم فقال لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ الأمور المتعلقة بهؤلاء الرسل وهي تعذيب من كذبهم وتعظيم من صدقهم وظهور ما كانوا يوعدون الأمم إليه ويخوفونهم به من العرض والحساب ونشر الدواوين ووضع الموازين. ثم أجاب بأنهم أجلوا لِيَوْمِ الْفَصْلِ بين الخلائق، ثم عظم ذلك اليوم ثانيا فقال وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الْفَصْلِ وأي شيء شدته ومهابته. ثم عقبه بتهويل ثالث فقال وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ أي يوم إذ كان كذا وكذا من الأهوال لِلْمُكَذِّبِينَ وإعرابه كإعراب سَلامٌ عَلَيْكَ [مريم: ٤٧] وقد سبق. وقد كرر هذا التهويل في تسعة مواضع أخر لمزيد التأكيد والتقرير كما مر في سورة الرحمن. ثم هددهم بقوله أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ كعاد وثمود وغيرهما إلى زمن محمد صلى الله عليه وسلم ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ وهم كفار مكة أهلكهم الله يوم بدر وغيره من المواطن قوله كَذلِكَ أي مثل ذلك الإهلاك الفظيع نَفْعَلُ بكل مجرم. ثم وبخهم بتعديد النعم وآثار القدرة عليهم فقال أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ حقير لا يعبأ به وهو النطفة فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ وهو الرحم وهو أنه يتمكن فيه ما يتكون منه الولد إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ أي إلى مقدار معلوم من الزمان المقدر ولهذا قال فَقَدَرْنا بالتشديد فَنِعْمَ الْقادِرُونَ أي فنعم المقدرون له نحن. ومن قرأ بالتخفيف فبمعنى التقدير أيضا لتتوافق القراءتان. قال الفراء:

قدر وقدّر بالتخفيف والتشديد لغتان، ويجوز أن يكون المخفف من القدرة أي فقدرنا على خلقه وتصويره كيف شئنا فنعم أصحاب القدرة نحن حيث خلقناهم في أحسن تقويم. وفي

<<  <  ج: ص:  >  >>