يجيء في قوله إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ [الانشقاق: ١] وفيه كذا في قوله وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ إبطال قول من زعم أن الفلكيات لا تنخرق. أما الدليل المعقول الذي ذكره الإمام فخر الدين الرازي في تفسيره وهو أن الأجسام متماثلة في الجسمية فيصح على كل واحد منها ما يصح على الباقي لكن السفليات يصح عليها الانخراق فيصح على العلويات أيضا فغير مفيد ولا مقنع، لأن الخصم لو سلم الصحة فله أن ينازع فى الوقوع لمانع كالصورة الفلكية وغيرها. وأما تفجير البحار فقد فسروها بفتح بعضها إلى بعض حتى تصير البحار كلها بحرا واحدا وذلك لتزلزل الأرض وتصدعها حتى يرتفع الحاجز الذي بين البحار الشرقية وبين البحار الغربية. وقد فسره في الكشاف بزوال البرزخ بين العذب والمالح حتى يختلطا وهو تصوّر فاسد نشأ من مجرّد سماع لفظ ارتفاع البرزخ. وعن الحسن: إن الأرض تنشف الماء بعد امتلاء البحار فتصير مستوية وهو معنى التسجير عنده كما مر في السورة المتقدّمة. قال جار الله: بعثر وبحثر بمعنى وهما من البعث والبحث زيد فيهما الراء والمعنى بحثت القبور وأخرج موتاها. ولأهل التأويل أن يحملوا بعثرة القبور على كشف الأسرار والأحوال الخفية، ومعنى التقديم والتأخير قد سبق في القيامة في قوله يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ
[القيامة: ١٣] والمراد جميع أعمالها وإنما يحصل بها العلم الإجمالي عند الموت أو في أوائل أشراطه ثم يزيد شيئا فشيئا إلى حين مطالعة صحيفة العمل. ولما أخبر عن وقوع الساعة والحشر بين ما يدل عليه عقلا فقال يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ هو الكافر المنكر للبعث عند طائفة لقوله بعد ذلك كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ وقد يخص ببعضهم فروي عن ابن عباس أنها نزلت في الوليد بن المغيرة. وعن الكلبي ومقاتل في الأشد بن كلدة. وذلك أنه ضرب النبي صلى الله عليه وسلم فلم يعاقبه الله تعالى وأنزل الآية. والأقرب أنها تتناول جميع العصاة وخصوص السبب لا يقدح في العموم، وهاهنا سؤال وهو أنه تعالى وصف نفسه في هذا المقام بالكرم وهذا الوصف يقتضي الاغترار به حتى قالت العقلاء: من كرم الرجل سوء أدب غلمانه. وسمع الموبذ في مجلس أنوشروان ضحك الخدم فقال: أما يهاب هؤلاء الغلمان. فقال:
إنما يهابنا أعداؤنا.
وعن علي رضي الله عنه أنه دعا غلامه مرات فلم يجبه فنطر فإذا هو بالباب فقال لم لم تجبني؟ فقال: لثقتي بتحملك وأمني من عقوبتك فاستحسن جوابه فأعتقه.
«قال مؤلف الكتاب» : إني في عنفوان الشباب رأيت فيما يرى النائم أن القيامة قد قامت وقد دار في خلدي أن الله تعالى لو خاطبني بقوله يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فمادّا أقول؟ ألهمني الله في المنام أن أقول: غرني كرمك يا رب. ثم إني وجدت هذا المعنى قد ذكر في بعض التفاسير. وعن الفضيل بن عياض أنه قال: أقول في الجواب غرتني ستورك المرخاة. وإذا ثبت أن الكرم يقتضي أن يغتر بصاحبه فكيف وقع الإنكار عليه؟