أوّل بدايتها وهي كونها عقلا هيولانيا إلى نهايتها وهي كونها عقلا مستفادا فكأنه سبحانه أقسم بأحوال المعلومات المستخلصة على إمكان حصول العلم بها. ثم وبخهم على أنهم لا ينظرون في الدلائل حتى يورثهم الإيمان والسجود عند تلاوة القرآن. وقوله لا يُؤْمِنُونَ ولا يَسْجُدُونَ في موضع الحال والعامل معنى الفعل في فَما لَهُمْ عن ابن عباس، عباس والحسن وعطاء والكسائي ومقاتل: المراد من السجود هاهنا الصلاة. وقال أبو مسلم وغيره:
أراد به الخضوع والاستكانة. والأكثرون على أنه السجود نفسه. ثم اختلفوا فعن أبي حنيفة وجوبه لأنه ذمهم على الترك. وعن الحسن وهو قول الشافعي أنه سنة كسائر سجدات التلاوة عنده. ثم بين بقوله بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ أن الدلائل الموجبة للإيمان وتوابعه وإن كانت جلية ظاهرة لكن الكفار يكذبون بها تقليدا للإسلاف أو عنادا. ثم أجمل وعيدهم بقوله وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ أي يجمعون ويضمرون في صدورهم من الشرك والعناد وسائر العقائد الفاسدة والنيات الخبيثة فهو يجازيهم على ذلك. وقيل: بما يجمعون في صحفهم من أعمال السوء. ثم صرح بالوعيد قائلا فَبَشِّرْهُمْ وقوله إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا استثناء منقطع عند الزمخشري ولا بأس بكونه متصلا كأنه قال: إلا من آمن منهم فله أجر غير مقطوع أو هو من المنة، بني الكلام هاهنا على الاستئناف فلم يحتج إلى الفاء، وعلى التعقيب في التين فأورد الفاء والاستئناف أجمع مقدّمة.