للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأوّلان ينتفعان بالتذكير والتخويف، وكثير من المعاندين إنما يجحدون باللسان فقط، فتبين أن أكثر الخلق ينتفعون بالوعظ والمعرض نادر وترك الخير الكثير لأجل الشر القليل شر كثير فلهذا وجب تعميم التذكير. قلت: هذا خلاف القرآن حيث قال وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف: ١٠٣] وقال وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ [سبأ: ١٣] وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ [الأعراف: ١٧] وخلاف الحديث حيث

قال صلى الله عليه وسلم في بعث النار «من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون» .

وخلاف المعقول فإنه لو سلم أن قسمين من الأقسام الثلاثة ينتفعان بالتذكير وينضم إليه من القسم الثالث بعض آخر فقد لا يلزم أن يكون الثاني أقل من المجموع المفروض لجواز اختلاف الأقسام، بل السبب في تعميم التذكير انتفاع المنتفعين به وهم أهل الخشية أعني العلماء بالله وإلزام الحجة لغيرهم. والسين في سَيَذَّكَّرُ إما لمجرّد الإطماع فإن «سوف» من الله واجب، وإما لأن التذكير متراخ عن التذكير غالبا لتخلل زمان النظر والتأمل بينهما غالبا. قيل: نزلت الآية في عثمان بن عفان.

وقيل: في ابن أم مكتوم. ونزل في الوليد بن المغيرة وعتبة بن ربيعة قوله وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى أي السفلى من أطباق النار. وعن الحسن: النار الكبرى نار جهنم والصغرى نار الدنيا. فالأشقى هو الكافر على الإطلاق، وذلك أن الكافر أشقى من الفاسق.

ولا يلزم من تخصيص ذكر الكافر بدخول النار أن لا يدخلها الفاسق، وسبب تخصيص الكافر بالذكر أن الفاسق لم يتجنب التذكير بالكلية فيكون القرآن مسكوتا عن الشقي الذي هو أهل الفسق، ويحتمل أن يكون الأشقى بمعنى الشقي كقوله وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ [الروم:

٢٧] أي هين فيدخل فيه الفاسق لأنه يجتنب بوجه من الوجوه. وقوله ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى قد مر تفسيره في «طه» . ومعنى «ثم» تراخى الرتبة لأن هذا النوع من الحياة أفظع من نفس الدخول في النار. ثم ذكر وعد السعداء بعد وعيد الأشقياء. ومعنى تَزَكَّى تطهر من أدناس الشرك والمعاصي والعقائد الفاسدة وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ بالتوحيد والإخلاص فَصَلَّى أي اشتغل بالخدمة والطاعة حتى يكون كاملا بحسب قوّته النظرية والعملية بعد تخليته لوح الضمير عن النقوش الفاسدة. وقال الزجاج: تزكى أي تكثر من التقوى وأصله من الزكاء النماء فيكون تفصيله قوله قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ [المؤمنون: ١] إلى آخر الآيات. وفي أوّل البقرة إلى قوله هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الآيات: ١، ٥] وقال مقاتل: تزكى من الزكاة كتصدّق من الصدقة والمعنى: قد أفلح من تصدّق من ماله وذكر ربه بالتوحيد والصلاة فصلى له.

وخصه قوم بصلاة العيد وصدقة الفطر أي أفلح من تصدّق قبل خروجه إلى المصلى، وذكر اسم ربه في طريق المصلى أو عند تكبيرة الافتتاح فصلى العيد وهذا قول عكرمة وأبي العالية وابن

<<  <  ج: ص:  >  >>