للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرجل. والضمير في مِثْلُها لإرم لأنهم أطول الناس قدودا وأشدّهم بناء، أو للمدينة أو للأعلام على اختلاف الأقوال. وجاب الصخرة أي الحجر العظيم قطعه كقوله وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً [الشعراء: ١٤٩] والوادي وادي القرى قاله مقاتل. وقد قيل: لفرعون ذي الأوتاد لكثرة جنوده أو لتعذيبه للناس بالأوتاد الأربعة وقد مرّ في «ص» . وصب السوط كناية عن التعذيب المتواتر، وفيه إشارة إلى أن عذاب الدنيا بالنسبة إلى عذاب الآخرة كالسوط بالنسبة إلى القتل مثلا وقد أشار إلى عذاب الآخرة أو إليه مع عذاب الدنيا بقوله إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ أي يمهل ولكنه لا يهمل. والمرصاد المكان الذي يرقب فيه الرصد، والباء بمعنى «في» وهو مثل لعدم الإهمال. وقيل لبعض العرب: أين ربك؟ فقال: بالمرصاد.

وعن عمرو بن عبيد أنه قرأ السورة عند المنصور حتى بلغ الآية فقال إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ يا أبا جعفر عرض له في هذا بأنه من الجبابرة الذين وعدوا بها. وقال الفراء: معناه إليه المصير فيكون وعدا ووعيدا للمؤمن والكافر. قال أهل النظم: لما ذكر أنه تعالى بمرصد من أعمال بني آدم عقبه بتوبيخ الإنسان على قلة اهتمامه بأمر الآخرة وفرط تماديه في إصلاح المعاش كأنه قيل: نحن مترقبون لمجازاة الإنسان على ما سعى، فأما هو فإنه لا يهمه إلا الدنيا وطيباتها فإن وجد راحة فرح بها وإن مسه ضرّ كند. والظاهر أن الإنسان للجنس.

وعن ابن عباس أنه عتبة بن ربيعة. وعن الكلبي هو أمية بن خلف. ومعنى الابتلاء في البسط والضيق هو أنه سبحانه يعامل المكلف معاملة المختبر ليظهر أنه هل يتلقى النعمة بالشكر والضيق بالصبر أم لا كقوله وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً [الأنبياء: ٣٥] وتقدير الكلام فأما الإنسان فيقول ربي أكرمن إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه وَأَمَّا هو فيقول ربي أهانن إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ أي ضيق عَلَيْهِ رِزْقَهُ فقوله فَيَقُولُ خبر المبتدأ في الموضعين إِذا مَا ابْتَلاهُ ظرف ل فَيَقُولُ وإنما قال في جانب البسط فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ أي جعله ذا نعمة وثروة ولم يقل في طرف القبض «فأهانه وقدر عليه» لأن رحمته سبقت غضبه فلم يرد أن يصرح بإهانة عبده، ولئلا يكون الكلام نصا في أن القبض دليل الإهانة من الله، فقد يكون سببا لصلاح معاش العبد ومعاده. وأما البسط فهو إكرام في الظاهر الغالب، والبسط لأجل الاستدراج قليل وعلى قلته فهو خير من خسران الدنيا والآخرة جميعا. وعلام توجه الإنكار والذّم؟ فيه وجهان: أحدهما على قوله رَبِّي أَهانَنِ فقط لأنه سمي ترك التفضل إهانة وقد لا يكون كذلك. والثاني على مجموع الأمرين لا من حيث مجموعهما بل على كل منهما. أما على دعوى الإهانة فكما قلنا، وأما على دعوى الإكرام فلأنه اعتقد حصول الاستحقاق في ذلك الإكرام كقوله إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي [القصص: ٧٨] وكان عليه أن يرى ذلك

<<  <  ج: ص:  >  >>