للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يجوز حذف الفاعل من غيره والتقدير: فك فاك رقبة أو إطعام مطعم يتيما. والمسغبة مصدر على «مفعلة» من سغب إذا جاع، وكذا المقربة من قرب في النسب. والمتربة من ترب إذا افتقر والتصق بالتراب فليس فوقه ما يستره ولا تحته ما يوطئه.

عن النبي صلى الله عليه وسلم: هو الذي مأواه المزابل.

ووصف اليوم بذي مسغبة مجاز باعتبار صاحبه نحو «نهاره صائم» . وفك الرقبة تخليصها من رق أو غيره.

وفي الحديث إن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: دلني على عمل يدخلني الجنة. فقال: «تعتق النسمة وتفك الرقبة. فقال: أوليسا سواء؟ قال: لا إعتاقها أن تتفرد بعتقها وفكها تخلصها من قود أو غرم» «١»

وقد استدل أبو حنيفة من تقديم العتق على أنه أفضل من الصدقة. وعند بعضهم بالعكس لأن في الصدقة تخليص النفس من الإشراف على الهلاك فإن قوام البدن بالغذاء، وفي الفك تخليصها من القيد في الأغلب. وأيضا لعل الأمر في الأول أضيق. ولا شك أن إطعام اليتيم القريب أفضل من اليتيم الأجنبي. وقد يستدل للشافعي أن المسكين أحسن حالا من الفقير وأنه قد يكون بحيث يملك شيئا وإلا وقع قوله ذا مَتْرَبَةٍ تكرارا. وقال بعض أهل التأويل: فك الرقبة أن يعين المرء نفسه على إقامة الوظائف الشرعية ليتخلص بها عن النار. وعندي هو أن يفك رقبته عن الكونين ليلزم عنه زوال الحرص المستتبع لمواساة النفس على الطعام والإيثار. وفي قوله ثُمَّ كانَ وجوه أحدها: أن هذا التراخي في الذكر لا في وجود فإن الإيمان مقدّم على جميع الخصال المعتدّ بها شرعا كقوله:

إن من ساد ثم ساد أبوه ... ثم قد ساد قبل ذلك جده

أي ثم انه أذكر ساد أبوه: وثانيها التأويل بالعاقبة أي ثم كان في عاقبة أمره ممن يموت على الإيمان. وثالثها أن الاية نزلت فيمن أتى بهذه الخصال قبل إيمانه بمحمد صلى الله عليه وسلم ثم آمن به بعد مبعثه. فعند بعضهم يثاب على تلك الطاعات يدل عليه ما

روي أن حكيم بن حزام بعد ما أسلم قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا كنا نأتي بأعمال الخير في الجاهلية فهل لنا منها شيء؟

فقال صلى الله عليه وسلم «أسلمت على ما قدّمت من الخير» «٢» .

ورابعها وهو أولى الوجوه عند أصحاب المعاني أن المراد تراخي الرتبة والفضيلة لأن ثواب الإيمان أكثر من ثواب العتق والصدقة.

وقد يوجه البيت المذكور على هذا بأن المراد ثم ساد أبوه مع ذلك ثم ساد جده مع ما ذكر،


(١) رواه أحمد في مسنده (٤/ ٢٩٩) .
(٢) رواه البخاري في كتاب الأدب باب ١٦. مسلم في كتاب الإيمان حديث ١٩٤، ١٩٥، ١٩٦. أحمد في مسنده (٣/ ٤٠٢، ٤٣٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>