أو أنثى، والخنثى المشكل معين في علم الله وإن كان مبهما في علمنا ولهذا قال الفقهاء: لو حلف بالطلاق أنه لم يلق يومه ذكرا ولا أنثى وقد لقي خنثى مشكلا حنث. وقيل: هما آدم وحواء لَشَتَّى جمع شتيت وهو المتفرق المختلف. ثم بين اختلاف الأعمال في ذاتها وفيما يرجع إليها في العاقبة من الثواب والعقاب أو التوفيق والخذلان.
عن علي رضي الله عنه أنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقعدنا حوله فقال «ما منكم نفس منفوسة إلا وقد علم مكانها من الجنة والنار. فقلنا: يا رسول الله أفلا نتكل؟ قال:
اعملوا فكل ميسر لما خلق له ثم قرأ فَأَمَّا مَنْ أَعْطى» «١»
يعني حقوق ما له وَاتَّقى المحارم وَصَدَّقَ بالخصلة الحسنى وهي الإيمان أو كلمة الشهادة أو بالملة الحسنى أو بالمثوبة فَسَنُيَسِّرُهُ فسنهيئه للطريق اليسرى. يقال يسر الفرس للركوب إذا أسرجها وألجمها. ومعنى استغنى أنه رغب عما عند الله كأنه مستغن، أو استغنى باللذات العاجلة عن الآجلة. والتحقيق فيه أن الأعمال الفاضلة إذا واظب المكلف عليها حصلت في نفسه ملكة نورانية تسهل عليه سلوك سبيل الخيرات حتى يصير التكليف طبعا. والتعب راحة والتكليف عادة، ولأن هذه الملكة تحصل بالتدريج فلا جرم أدخل الفاء في فَسَنُيَسِّرُهُ ومن فسر اليسرى بالجنة فمعنى الاستقبال عنده واضح. والرذائل بالضد حتى تصير النفس من الكسل بحيث لا تواتي صاحبها إلا في مواجب الكسل وجذب الراحات العاجلة كقوله وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ [البقرة: ٤٥] وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى
[النساء: ١٤٨] ويقرب مما ذكرنا قول القفال: كل ما أدت عاقبته إلى يسر وراحة وأمور محمودة فإن ذلك من اليسرى وذلك وصف كل الطاعات، وكل ما أدّت عاقبته إلى عسر وتعب فهو من العسرى وذلك وصف كل المعاصي، ومن جملة اليسرى الجنة ومن جملة العسرى النار. استدل بعض الأشاعرة بقوله فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى على أنه تعالى قد يخلق القبائح في المكلف ويقوي دواعيه على فعلها. والمعتزلة عبروا عن هذا التيسير بالخذلان وعن الأول بمنح الألطاف والتوفيق. ثم وبخ هذا الكافر بقوله وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ وهو استفهام في معنى النفي أي لا ينفعه ماله الذي بخل به إِذا تَرَدَّى أي مات من الردى وهو الهلاك. ويجوز أن يكون من قولهم «تردّى من الجبل» أي تردّى من الحفرة في القبر أو في قعر جهنم. استدل المعتزلة بقوله إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى على أنه تعالى أزاح الأعذار وما كلف المكلف إلا ما في سعته وطاقته، وعلى أنه يجب على الله الهداية، وعلى أن العبد لو لم يكن مستقلا بالإيجاد