خمسة وعشرين يوما عن ابن عباس، أو أربعين عن السدّي ومقاتل. والسبب فيه أن اليهود سألوه عن ثلاث مسائل كما مرّ في «الكهف» فقال سأخبركم غدا ولم يقل «إن شاء الله» أو لأنّ جروا للحسن والحسين كان في بيته أو لأنه كان فيهم من لا يقلم الأظفار، فزعم المشركون أن ربه ودعه وقلاه. وروي أن أم جميل امرأة أبي لهب قالت له: يا محمد ما أرى شيطانك إلا قد تركك فنزلت السورة. والتوديع مبالغة في الوداع لأن من ودعك فقد بالغ في تركك. والقلى البغض وحذف المفعول من «قلاك» و «آواك» و «هداك» و «أغناك» للفاصلة مع دلالة قرينة الحال أو المقال. والذي يقال إن النبي صلى الله عليه وسلم شكا إلى خديجة إن ربي ودعني وقلاني. إن ثبت فمحمول على أنه أراد امتحان خديجة ليعلم بعد غورها في المعرفة والعلم كما
روي أنها قالت: والذي بعثك بالحق ما أهداك الله بهذه الكرامة إلا وهو يريد أن يتمها لك.
ثم زاده تشريفا بقوله وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى يعني هذا التشريف وهو إعلام أن ما ألقاه الحساد فيما بينهم من التوديع والقلى بهت محض وإن كان تشريفا عظيما إلا أن الذي أعدّ لأجلك في الآخرة أشرف وأسنى. وعلى تقدير انقطاع الوحي لا يجوز أن يكون ذلك للعزل عن النبوة فإنه غير جائز لكنه يدل على قرب الوفاة المستتبعة للقرب من الله فلا يكون كما ظنه الأعداء. ويحتمل أن يراد: وللأحوال الآتية خير لك من الماضية فيكون وعدا بإتمام نوره وإعلاء أمره. وفي تخصيص الخطاب إشارة إلى أن في أمته من كانت الآخرة شر إليه إلا أن الله ستره عليهم ونظر قول موسى إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ [الصافات: ٩٩] لأنه كان في قومه من لم يكن لائقا بهذا المنصب، وحين لم يكن في الغار إلا نبي أو صدّيق
قال نبينا صلى الله عليه وسلم لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا [التوبة: ٤٠]
يروى أن موسى خرج للاستسقاء ومعه الألوف ثلاثة أيام فلم يجدوا الإجابة فسأل موسى عليه السلام عن سبب ذلك فقال: إن في قومك نماما فقال موسى: من هو؟ فقال الله تعالى: إني أبغضه فكيف أعمل عمله؟ فما مضت مدة حتى نزل الوحي بأن ذلك النمام قد مات وهذه جنازته في الموضع الفلاني فذهب موسى إلى ذلك الموضع فإذا فيه سبعون من الجنائز
فهذا ستره على أعدائه فكيف على أوليائه. وهاهنا لطيفة وهي أنه تعالى ردّ ألوفا من المطيعين لمذنب واحد هاهنا يرحم ألوفا من المذنبين لمطيع واحد ودليله قوله وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى فلعله حين بين أن الآخرة خير له عقبه ببيان تلك الخيرية وهي رتبة الشفاعة.
يروى عن علي رضي الله عنه أنه قال: قال صلى الله عليه وسلم «إذن لا أرضى وواحد من أمتي في النار» . «١»