وإذا كان هذا العتاب لمجرد الصياح أو العبوس فكيف إذا آذاه أو أكل ماله.
عن أنس مرفوعا «إذا بكى اليتيم وقعت دموعه في كف الرحمن فيقول الله تعالى: من أبكى هذا اليتيم الذي واريت والده في التراب؟ من أسكته فله الجنة»
ويروى أنه صلى الله عليه وسلم كان جالسا فجاءه عثمان بعذق من تمر فوضعه بين يديه فأراد أن يأكل فوقف سائل بالباب فقال: يرحم الله عبدا يرحمنا. فأمر بدفعه إلى السائل فكره عثمان ذلك وأراد أن يأكله النبي صلى الله عليه وسلم فخرج واشتراه من السائل، ثم رجع السائل ففعل ذلك ثلاث مرات إلى أن قال النبي صلى الله عليه وسلم: أسائل أنت أم بائع؟ فنزل وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ
أي فلا تزجر.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم «إذا رددت السائل فلم يرجع فلا عليك أن تزجره»
قال العلماء: أما إنه ليس بالسائل المستجدي ولكن طالب العلم إذا جاءك فلا تنهره. ثم أمره بأن يحدث الناس بما أنعم به عليه من الإيواء والهداية والإغناء وغيره. وأعلم أنه تعالى نهاه عن شيئين وأمره بواحد، نهاه عن قهر اليتيم جزاء لما أنعم به عليه في قوله أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى ونهاه عن نهر السائل في مقابلة قوله وَوَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى وأمره بتحديث نعمه ربه وهو في مقابلة قوله وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى فالأنسب أن يكون المراد به التبليغ وأداء الرسالة وتكميل الناقصين بالدعاء إلى الدين كما قال مجاهد. ولقد روعي في الترتيب نكتة لطيفة فقدّم في معرض المنة النعمة الدينية وهي الهداية على النعمة الدنيوية وهي الإغناء وأما في معرض الإرشاد فقدّم الإشفاق على الخلق، وأخر التحديث ليكون أدخل في الاستمالة وأجلب للدواعي فإنه ما لم ينتظم أمر المعاش لم تفرغ الخواطر لقبول التكاليف والتزام أمر المعاد. قال المحققون: التحديث بنعم الله تعالى جائز مطلقا بل مندوب إليه إذا كان الغرض أن يقتدي غيره به أو أن يشيع شكر ربه بلسانه، وإذا لم يأمن على نفسه الفتنة والإعجاب فالستر أفضل. قالوا: إنما أخر التحديث تقديما لحظ الخلق على حظ نفسه لأنه غني وهم المحتاجون ولهذا رضي نفسه بالقول فقط، ولأن الاستغراق في بحر الشكر ومعرفة المنعم غاية الغايات ونهاية الطاعات.
تنبيه: روي عن البزي أنه قال: قرأت على عكرمة بن سليمان قال: قرأت على إسماعيل بن عبد الله بن قسطنطين فلما بلغت وَالضُّحى قال: كبر حتى تختم مع خاتمة كل سورة فإني قرأت على عبد الله بن كثير فأمرني بذلك، وأخبرني ابن كثير أنه قرأ على مجاهد فأمره بذلك، وأخبره مجاهد أنه قرأ على عبد الله بن عباس تسع عشرة ختمة فأمره بذلك في كلها، وأخبر ابن عباس أنه قرأ على أبيّ بن كعب فأمره بذلك، وأخبره أبيّ أنه قرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره بذلك. وروي عن الشافعي أنه رأى التكبير سنة في خاتمة وَالضُّحى إلى آخر القرآن. وهكذا روي عن قنبل. والسبب فيه أنه حين انقطع الوحي على ما سبق