[النساء: ٧٧] فكيف أصف أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وقد شهد الله بأنه عظيم في قوله وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم: ٤]
والحاصل أنه سبحانه كأنه قال: ما أجهل من ينهى أشد الخلق عبودية عن الصلاة، والنهي عن الصلاة مذموم عند العقلاء.
يروى أن عليا رضي الله عنه رأى في المصلى أقواما يصلون قبل صلاة العيد فقال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك فقيل له: ألا تنهاهم؟ فقال: أخشى أن أدخل تحت قوله أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا صَلَّى فلم يصرح بالنهي.
وأخذ أبو حنيفة منه هذا الأدب الجميل حين قال له أبو يوسف: أيقول المصلي حين يرفع رأسه من الركوع: اللهم اغفر لي؟ فقال: يقول ربنا لك الحمد ويسجد ولم يصرح بالنهي عن الدعاء. ويحتمل أن يراد بالتنكير الوحدة كأنه قيل: أيظن أبو جهل أنه لو لم يسجد محمد لي وهو عبد واحد لا أجد ساجدا غيره ولي من الملائكة المقربين ما لا يحصيه إلا الله. وفيه تفخيم شأن النبي صلى الله عليه وسلم، كان من شهرته بالعبودية لا يحتاج إلى سبق الذكر كقوله أَسْرى بِعَبْدِهِ [الإسراء: ١] أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ [الفرقان] وعن الحسن أن الناهي أمية بن خلف كان ينهى سلمان عن الصلاة. وأما الخطاب في قوله أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى فالأكثرون على أنه للنبي صلى الله عليه وسلم أيضا ليكون الكلام على نسق واحد. وقال في الكشاف: معناه أخبرني أن ذلك الناهي إن كان على طريق سديد فيما ينهى عنه من عبادة الله تعالى. أو كان آمرا بالتقوى فيما يأمر به من عبادة الأوثان كما يعتقد. أو كان على سيرة التكذيب والتولي عن الدين الصحيح كما نقول نحن أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرى ويطلع على أحواله من هداه أو ضلاله فيجازيه على ذلك وهو وعيد. فقوله الَّذِي يَنْهى مفعول أول ل أَرَأَيْتَ الأول وأَ رَأَيْتَ الثاني مكرر للتأكيد ولطول الكلام، وقوله إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى مع ما عطف عليه مفعول ثان له، وجواب الشرط محذوف يدل عليه جواب الشرط الثاني وهو قوله أَلَمْ يَعْلَمْ ويجوز أن يكون أَرَأَيْتَ الثالث أيضا مكررا والجواب بالحقيقة هو ما تدل عليه هذه الجملة الاستفهامية كأنه قيل: إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى أو كذب وتولى فإن الله مجازيه. وقيل: إن جواب الشرط الأول شيء آخر يدل عليه سياق الكلام والمراد: أرأيت إن صار هذا الكافر على حالة الهدى أو أمر بالتقوى بدل النهي عن عبادة الله، أما كان يليق به ذلك إذ هو رجل عاقل ذو ثروة. ففيه تعجيب من حاله أنه كيف فوت على نفسه مراتب الكمال والإكمال واختار بدلها طريقي الضلال والإضلال.
وقيل: الخطاب في أَرَأَيْتَ الثاني للكافر كأن الظالم والمظلوم عبدان قاما بين يدي مولاهما أو هما اللذان حضرا عند الحاكم أحدهما المدعي والآخر المدعى عليه، فيخاطب هذا مرة وهذا مرة، فلما
قال للنبي صلى الله عليه وسلم أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا صَلَّى التفت إلى الكافر