للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا أحد أبغض إليّ منه في حال مماتي فروي أنه صلى الله عليه وسلم لما سمع ذلك قال: فرعوني أشد من فرعون موسى عليه السلام فإنه قال «آمنت» وهو قد زاد عتوا. ثم قال لابن مسعود: اقطع رأسي بسيفي هذا لأنه أحد وأقطع. فلما قطع رأسه لم يقدر على حمله.

قال أهل العلم:

ولعل الحكيم سبحانه إنما خلقه ضعيفا لأجل أن لا يقوى على الحمل لوجوه منها: أنه كلب والكلب يجر. والثاني ليشق أذنه فتقتص الأذن بالأذن. والثالث تحقق الوعد المذكور في قوله لَنَسْفَعاً فإن ابن مسعود لما لم يطقه شق أذنه وجعل الخيط فيه وجعل يجره إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجبرائيل عليه السلام بين يديه يضحك ويقول: يا محمد أذن بأذن لكن الرأس هاهنا مع الأذن. والناصية شعر الجبهة، وقد يسمى مكان الشعر ناصية، وقد كنى هاهنا عن الوجه والرأس بالناصية قالوا: والسبب فيه أن أبا جهل كان مهتما بترجيل الناصية وتطييبها فلقاه الله نقيض المقصود حين أعرض عن حكم المعبود. ثم وصف الناصية بأنها ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ كذب صاحبها وخطأه حين سمى النبي صلى الله عليه وسلم الصادق ساحرا كذابا، أو حين زعم أنه أكثر أهل الوادي ناديا، والخاطئ أفظع من المخطئ ولهذا قال لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخاطِؤُنَ [الحاقة: ٣٧] فالخاطئ معاقب مأخوذ والمخطئ لا يكون مأخوذا ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا. وقوله ناصِيَةٍ بدل الكل من الأول، ووجه حسنها كونها موصوفة كما علم من قواعد النحو.

يروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أغلظ في القول لأبي الجهل وتلا عليه هذه الآيات قال: يا محمد بمن تهددني وإني أكثر هذا الوادي ناديا أي أهل مجلس، لأملأن عليك هذا الوادي خيلا جردا ورجالا مردا فزاد الله في تهديده قائلا فَلْيَدْعُ نادِيَهُ سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ

والزباني كل متمرد من جن وإنس ومثله «زبنية» بتخفيف الياء كعفريت وعفرية وأصله من الزبن الدفع، ولعل كسر الزاي لتغيير النسب،

عن النبي صلى الله عليه وسلم: لو دعا ناديه لأخذته الزبانية عيانا.

قال مقاتل: هم خزنة جهنم أرجلهم في الأرض ورؤوسهم في السماء. قال قتادة: الزبانية الشرط بلغة العرب أي الحرس، وقيل: هي جمع لا واحد له.

ثم ردع أبا جهل عن قبائح أحواله وأفعاله بقوله كَلَّا وشجع النبي صلى الله عليه وسلم بقوله لا تُطِعْهُ ثم قال وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ أي دم على سجودك وتقرب به إلى ربك ومنه

قوله صلى الله عليه وسلم «أقرب ما يكون العبد إلى ربه إذا سجد» «١»

وقيل: صل وتوفر على عبادة الله فعلا وإبلاغا. وقيل:

اسجد يا محمد واقترب يا أبا جهل وضع قدمك عليه فإن الرجل ساجد مشغول بنفسه وهذا تهكم به وتعريض بأن الله سبحانه وتعالى عاصم نبيه وحافظه والله أعلم.


(١) رواه مسلم في كتاب الصلاة حديث ٢١٥. النسائي في كتاب المواقيت باب ٣٥. الترمذي في كتاب الدعوات باب ١١٨. أحمد في مسنده (٢/ ٤٢١) . [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>