استدراجيا شيئا فشيئا عند الموت، ثم عند البعث، ثم في النار أو في الجنة، قوله لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ اتفقوا على أن جواب «لو» محذوف لأن قوله ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ أمر واقع قطعا فلو كان قوله لَتَرَوُنَّ جوابا للشرط كانت الرؤية أمرا مشكوكا فيه فيلزم المخالفة بين المعطوفات أو الشك فيما هو واقع قطعا وكلاهما غير سديد، ثم في تقدير الجواب وجوه قال الأخفش: لو تعلمون علم اليقين ما ألهاكم التكاثر. وقال أبو مسلم: لو علمتم ما يجب عليكم وما خلقتم لأجله لاشتغلتم به. وقال أهل البيان: الأولى تقدير ما هو عام في كل شيء وهو لفعلتم ما لا يوصف ولا يكتنه كنهه ولكنكم ضلال جهلة. ومعنى عِلْمَ الْيَقِينِ علم يقين فأضيف الموصوف إلى الصفة نحو ولدار الآخرة. ويحتمل أن يكون اليقين هو الموت كقوله وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر: ٩٩] إن الشك حينئذ يزول والأحوال إلى اليقين تؤول، والإنسان إذا علم ما يلقاه حين الموت وبعده لم يلهه التكاثر، وإضافة العلم إلى بعض أنواعه جائزة كعلم الطب وعلم الحساب، وفي الآية بعث للعلماء على أن يعملوا بعلمهم وإلا لم يكن بعد فوات إبان العمل سوى الحسرة والندامة.
يروى أن ذا القرنين لما دخل الظلمات أمر لمن معه بأن يأخذوا من الخرز الذي كانت عنده فأخذ بعضهم وترك بعضهم، فلما خرجوا من الظلمات وجدوا الخرز جواهر وكان للآخذين فرحا وسرورا وللتاركين غما وحسرة.
أما تكرار رؤية الجحيم فقيل: إن الأول رؤيتها من بعيد كما قال إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ [الفرقان: ١٢] والثاني رؤيتها من قريب إذا وصلوا إلى شفيرها. وقيل: الأولى عند الورود، والثانية بعد الدخول. وأورد قوله ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ فيها فإن السؤال قبل الدخول. وقيل: التثنية للتكرير والمراد تتابع الرؤية واتصالها فكأنه قيل لهم: إن كنتم اليوم شاكين فيها فسترونها رؤية دائمة متصلة، فيجوز أن يكون قوله عِلْمَ الْيَقِينِ متعلقا بالرؤيتين جميعا، ويجوز أن يكون متعلقا بالثانية لأن علمهم بها وبأحوالها وآلامها يزداد شيئا فشيئا حتى يصير الخبر عينا. ومعنى علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين قد مر في آخر «الواقعة» . وفي السؤال عن النعيم وجهان: الأول أنه للكفار لما
روي أن أبا بكر لما نزلت الآية قال: يا رسول الله أرأيت أكلة أكلتها معك في بيت أبي الهيثم بن التيهان من خبز شعير ولحم وبسر وماء عذب، أتكون من النعيم الذي يسأل عنه؟ فقال صلى الله عليه وسلم:
إنما ذلك للكفار
ثم قرأ وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ [سبأ: ١٧] ولأن الخطاب في أول السورة للذين ألهاهم التكاثر عن المعاد فناسب أن يكون الخطاب في آخر السورة أيضا لهم.
ويكون الغرض من السؤال التقريع حتى يظهر لهم أن الذي ظنوه سببا للسعادة هو أعظم أسباب الشقاء لهم. الثاني العموم لوجوه منها
خبر أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم «أول ما يسأل