خرجوا إليهم بالإبل والحمر واشتروا طعامهم من جدة على مسيرة ليلتين، وتتابع ذلك فكفاهم الله مؤنة الرحلتين. والثالث:
قال الكلبي: معنى الآية أنهم لما كذبوا محمدا صلى الله عليه وسلم دعا عليهم فقال: اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف. فاشتد عليهم القحط وأصابهم الجهد فقالوا: يا محمد ادع الله فإنّا مؤمنون فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخصب أهل مكة فذلك قوله أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ
ووجه المنة بالإطعام مع أنه ليس من أصول النعم في الظاهر أنه سبب الفراغ للعبادة، وفيه أن البهيمة تطيع من يعلفها ولا يليق بالإنسان أن يكون دون الأنعام، على أنه يندرج في الإطعام النعم السابقة التي لا يحصل الغذاء إلا بعد وجودها كالأفلاك والعناصر وغيرها، والنعم اللاحقة التي لا يتم الانتفاع بالأكل إلا بها من القوى والآلات البدنية والخارجية. وفي قوله مِنْ جُوعٍ إشارة إلى أن فائدة الطعام والغاية منه سد الجوعة لا الإشباع التام. وأما الأمن فهو قصة أصحاب الفيل أو تعرض أهل النواحي لهم وكانوا بعد وقعة أصحاب الفيل يعظمونهم ولا يتعرّضون لهم. وقال الضحاك والربيع: آمنهم من خوف الجذام. وقيل: من أن تكون الخلافة في غيرهم وفيه تكلف. وقيل: أطعمهم من جوع الجهل بطعام الإسلام والوحي وآمنهم من خوف الضلال ببيان الهدى. وقيل: إشارة إلى ما دعا به إبراهيم عليه السلام في قوله رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ [البقرة: ١٢٦] فأجاب الله تعالى بقوله وَمَنْ كَفَرَ [البقرة: ١٢٦] والتنكير في جُوعٍ وخَوْفٍ للتعظيم. وقد روي أنه أصابهم شدة حتى أكلوا الجيف والعظام المحرقة، وأما الخوف فهو الخوف الشديد الحاصل من أصحاب الفيل. ويحتمل أن يكون المراد التقليل أي أطعمهم من جوع دون جوع ليكون الجوع الثاني والخوف الثاني مذكرا لما كانوا فيه أولا فيكونوا شاكرين تارة وصابرين أخرى فيستحقوا ثواب الخصلتين.