للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«لله أفرح بتوبة أحدكم من الضال الواجد والظمآن الواردة» «١»

ويجوز أن يكون المراد بالناس أهل اليمن على ما

روي عن أبي هريرة انه لما نزلت السورة قال النبي صلى الله عليه وسلم: الله أكبر جاء نصر الله والفتح.

وجاء «أهل اليمن قوم رقيقة قلوبهم»

الإيمان يمان والفقه يمان والحكمة يمانية» «٢»

وقال «إني لأجد نفس الرحمن من جانب اليمن» «٣»

قال جمهور الفقهاء وكثير من المتكلمين: إن إيمان المقلد صحيح لأنه تعالى حكم بصحة إيمان أولئك الأفواج وجعله من أعظم المنن على نبيه. ثم إنا نعلم قطعا أنهم ما كانوا يعرفون حدوث الأجسام بالدلائل ولا صفات الكمال ونعوت الجلال، وكونه سبحانه متصفا بها منزها عن غيرها ولا ثبوت المعجز التام على يد محمد صلى الله عليه وسلم ولا وجه دلالة المعجزة على النبوة. وعن الحسن: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قالت العرب: لا يدي لنا به فقد ظفر بأهل مكة وقد كان الله أجارهم من أصحاب الفيل وكل من أرادهم بسوء فأخذوا يدخلون في الإسلام أفواجا من غير قتال. ولا شك أن هذا القدر مما يفيد غلبة الظن فقط. والفوج الجماعة الكثيرة كانت تدخل فيه القبيلة بأسرها بعد ما كانوا يدخلون فيه واحدا واحدا واثنين اثنين.

وروي أن جابر بن عبد الله بكى ذات يوم فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: دخل الناس في دين الله أفواجا وسيخرجون منه أفواجا.

ثم إنه أمره بالتسبيح ثم بالحمد ثم بالاستغفار فكأنه صلى الله عليه وسلم ضاق قلبه عن تأخير النصر كما قال وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ [البقرة: ٢١٤] فأمر بالتسبيح تنزيها لله عما لا يليق بكماله وحكمته وعنايته بخلقه، وأمر أن يكون التسبيح مقرونا بالحمد لأن المقام يستدعي تذكير النعمة وهي الفتح والنصر ودخول الناس في الدين من غير متاعب الجهاد ومؤن القتال، ثم أمر بالاستغفار كفارة لما عسى أن يبدو ويدور في الخلد من ملاحظة حاله بعين الكمال، وكما أن التسبيح المقرون بالحمد نظر من الحق إلى الخلق فالاستغفار عكسه وهو التفات عن الخلق إلى الحق. وإنما قهمت الصحابة من السورة نعي النبي صلى الله عليه وسلم لأن كل كمال فإنه يدل على زوال كما قيل:

إذا تم أمر يدا نقصه ... توقع زوالا إذا قيل تم

ويمكن أن يقال: إنه أمر بالتسبيح والحمد والاستغفار مطلقا. ولا يخفى أن الاشتغال بهذه الأعمال يمنع من الاشتغال بأعباء التبليغ وبأداء ما كان يواظب عليه من رعاية مصالح


(١، ٢) رواه البخاري في كتاب المغازي باب ٧٤. مسلم في كتاب الإيمان حديث ٨٢، ٨٤، ٨٩. الترمذي في كتاب المناقب باب ٧١. الدارمي في كتاب المقدمة باب ١٤. أحمد في مسنده (٢/ ٢٣٥، ٢٥٢) (٣/ ١٠٥) (٤/ ١٥٤) . [.....]
(٣) رواه أحمد في مسنده (٢/ ٥٤١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>