للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال. وروي أنه قال أبو لهب: فما لي إن أسلمت؟ فقال: ما للمسلمين. فقال: أفلا أفضل عليهم؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وبماذا تفضل؟ فقال: تبا لهذا الدين الذي يستوي فيه أنا وغيري فنزلت تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ

التباب الهلاك كقوله وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبابٍ [غافر:

٣٧] وقيل: الخسران المفضي إلى الهلاك. وقيل: الخيبة. وقال ابن عباس: لأنه كان يدفع قائلا إنه ساحر فينصرفون عنه قبل لقائه لأنه كان شيخ القبيلة وكان له كالأب فكان لا يتهم، فلما نزلت السورة وسمع بها غضب وأظهر العداوة الشديدة فصار متهما فلم يقبل قوله في الرسول صلى الله عليه وسلم بعد ذلك فكأنه خاب سعيه وبطل غرضه. قالوا: ولعله إنما ذكر اليد لأنه كان يضرب بيده على كتف الوافد عليه فيقول: انصرف راشدا فإنه مجنون.

ويروى أنه أخذ حجرا ليرمي به رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وعن طارق المحاربي أنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى السوق يقول: يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا ورجل خلفه يرميه بالحجارة وقد آدمي عقبيه وقال: لا تطيعوه إنه كذاب. فقلت: من هذا؟ فقالوا: محمد وعمه أبو لهب.

وقال أهل المعاني: أراد باليدين الجملة كقوله ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ [الحج: ١٠] لأن أكثر الأعمال إنما تعمل باليد، فاليمين كالسلاح واليسار كالجنة، بالأولى يجر المنفعة وبالأخرى يدفع المضرة.

وروي أنه صلى الله عليه وسلم لما دعاه نهارا فأبى ذهب إلى داره ليلا مستنا بسنة نوح ليدعوه ليلا كما دعاه نهارا، فلما دخل عليه قال له: جئتني معتذرا. فجلس النبي صلى الله عليه وسلم أمامه كالمحتاج وجعل يدعوه إلى الإسلام وقال: إن كان يمنعك العار فأجبني في هذا الوقت واسكت. فقال: لا أو من بك أو يؤمن هذا الجدي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم للجدي. من أنا؟

فقال: أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأطلق لسانه يثني عليه فاستولى الحسد على أبي لهب وأخذ يدي الجدي ومزقه وقال: تبا لك أثر فيك السحر. فقال الجدي: بل تبت يداك فنزلت السورة على وفق ذلك لتمزيقه يدي الحيوان الشاهد بالحق الناطق بالصدق.

وفي ذكر أبي لهب بالكنية الدالة على التعظيم المنبئة عن شبهة الكذب إذ لم يكن له ولد مسمى بلهب وجوه منها: أن الكنية قد تصير اسما بالغلبة فلا تدل على التعظيم، وإيهام الكذب منتف لأنهم يريدون بها التفاؤل فلا يلزم منه أن يحصل له ولد يسمى بلهب. ومنها أن اسمه كان عبد العزي فكان الاحتراز عن ذكره أولى. ومنها أنه إشارة إلى أنه من أهل النار كما يقال «أبو الخير» لمن يلازمه. وكما

قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه «يا أبا تراب» لتراب لصق بظهره.

وقيل: سمي بذلك لتلهب وجنتيه فسماه الله تعالى بذلك تهكما ورمزا إلى مآل حاله وفي قوله سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ قال أهل الخطابة: إنما لم يقل في أوّل هذه السورة «قل تبت» كما قال قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ [الكافرون: ١] لئلا يشافه عمه بما يشتد غضبه رعاية

<<  <  ج: ص:  >  >>