للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّهُ الصَّمَدُ فقالوا: وما الصمد؟ قال: الذي يصمد الخلق إليه في الحوائج فقالوا: زدنا فقال لَمْ يَلِدْ كما ولدت مريم وَلَمْ يُولَدْ كما ولد عيسى وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ يريد نظيرا من خلقه.

ولشرف هذه السورة سميت بأسماء كثيرة أشهرها الإخلاص لأنها تخلص العبد من الشرك أو من النار. وقد يقال لها سورة التفريد أو التجريد أو التوحيد أو النجاة أو الولاية لأن من قرأها صار من أولياء الله أو المعرفة لما

روى جابر أن رجلا صلى فقرأ السورة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هذا عبد عرف ربه.

أو الجمال

لقوله صلى الله عليه وسلم «إن الله جميل يحب الجمال» «١»

ومن كمالات الجميل كونه عديم النظير. أو الأساس لقوله صلى الله عليه وسلم «أسست السموات السبع والأرضون السبع على قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» وهذا قول معقول لأن القول بالتثليث يوجب خراب السموات والأرض كما قال تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً [مريم: ٩٠] فوجب أن يكون التوحيد سببا لعمارة العالم. وقد تسمى سورة النسبة لما مر أنها نزلت عند قول المشركين «انسب لنا ربك» فكأنه قيل: نسبه الله هذا. والمانعة

لرواية ابن عباس أنه تعالى قال لنبيه حين عرج به: أعطيتك سورة الإخلاص وهي من ذخائر كنوز العرش،

وهي المانعة تمنع فتان القبر ونفحات النيران، والمحضرة لأن الملائكة تحضر لاستماعها إذا قرئت، والمنفرة أي للشيطان، والراءة أي من الشرك، وسورة النور

لقوله صلى الله عليه وسلم «إن لكل شيء نورا ونور القرآن قل هو الله أحد»

قلت: وذلك لأن الله تعالى نور الله نور السموات والأرض، وكما أن نور الإنسان في أصغر أعضائه وهو الحدقة كذلك نور القرآن في أقصر السور سوى «الكوثر» . ثم إن العلماء أجمعوا على أن الوحدانية مما يمكن معرفتها بطريق السمع والعقل جميعا وليست كمعرفة ذات الصانع حيث لا يمكن معرفته إلا بطريق العقل فقال أهل العرفان في بيانه: إن العقل يريد عالما كاملا أمينا تودع عنده الحسنات، والشهوة تريد غنيا تطلب منه المستلذات بل العقل كالإنسان الذي له همة عليه لا تنقاد إلا لمولاه، والهوى كالمنتجع الذي يطلب غنيا يتكدى منه بل العقل يطلب معرفة المولى ليشكر له على النعم السابقة، والهوى يطلبها ليستفيد منه النعم اللاحقة. فلما عرفاه كما أرادا تعلقا بذيل عنايته فقال العقل: لا أشكر أحدا سواك. وقالت الشهوة: لا أسأل أحدا إلا إياك. فجاءت الشبهة وقالت: يا عقل كيف أفردته بالشكر ولعل له مثلا؟ ويا شهوة كيف اقتصرت عليه ولعل هاهنا بابا آخر؟ فبقي العقل متحيرا وتنغصت


(١) رواه مسلم في كتاب الإيمان حديث ١٤٧. ابن ماجه في كتاب الدعاء باب ١٠. أحمد في مسنده (٤/ ١٣٣، ١٣٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>