شيء ولا يخرج منه شيء. ولا يخفى أن هذين المعنيين من صفات الأجسام حقيقة إلا أن مقدّمة الآية وهي اللَّهُ أَحَدٌ تمنع من حملهما على حقيقتهما لأن كل جسم مركب فوجب الحمل على المجاز وهو أنه لوجوب ذاته ممتنع التغير في وجوده وبقائه وسائر صفاته، ومن هنا اختلفت عبارات المفسرين فعن بعضهم: الصمد هو العالم بجميع المعلومات لأن كونه مبدأ مرجوعا إليه في قضاء الحاجات لا يتم إلا بذلك. وعن ابن مسعود والضحاك: هو السيد الذي انتهى سودده. وقال الأصم: هو الخلق للأشياء لأن السيد الحقيقي هو هو.
وقال السدي: هو المقصود في الرغائب المستغاث عند المصائب. وقال الحسن بن الفضل:
هو الذي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد. وقال قتادة: لا يأكل ولا يشرب وهو يطعم ولا يطعم.
وعن جعفر الصادق رضي الله عنه أنه يغلب ولا يغلب.
وسائر عباراتهم كلها متقاربة تدور حول ما ذكرنا.
سؤال: لم جاء الخبر هاهنا معرفا وفي قوله اللَّهُ أَحَدٌ منكرا؟ الجواب لأنه كان معلوما عندهم أنه غني على الإطلاق ومرجوع إليه في الحوائج وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ [الزمر: ٨] أما التوحيد فلم يكن ثابتا في أوهامهم بل ركز في أوهام العامة أن كل موجود فإنه محسوس وكل محسوس فهو منقسم فلا جرم جاء لفظ أَحَدٌ منكرا ولفظ الصَّمَدُ معرفا.
آخر: لم مكرر ثانيا اسم الله ولم يقتصر على ضميره؟ الجواب لما قيل:
هو المسك ما كررته يتضوّع ولأنه قد سبق ضمير الشأن ولأنه يلزم الاشتراك، ولما مر أن الإشارة بلفظة «هو» مرتبة الصديقين والخطاب بقوله اللَّهُ الصَّمَدُ لعموم الخلائق والسابقون منهم قليل فاعتبار الأغلب أولى.
آخر: كون الشخص مولودا أقدم من كونه والدا فلم قدم قوله لَمْ يَلِدْ على قوله وَلَمْ يُولَدْ أجيب بأن النزاع إنما وقع في كونه والدا حين قالت النصارى المسيح ابن الله، واليهود عزيز ابن الله، ومشركو العرب الملائكة بنات الله، بل المتفلسفة الذين قالوا إنه يتولد عن واجب الوجود عقل، وعن العقل الأول عقل آخر ونفس إلى آخر العقول العشرة والنفوس وهو العقل الفعال المدبر بزعمهم لما دون فلك القمر، فكان نفي كونه والدا أهم.
ثم أشار إلى طريق الاستدلال بقوله وَلَمْ يُولَدْ كأنه قال: الدليل على امتناع الوالد اتفاقنا على أنه ما كان ولدا لغيره. وأنا أقول: كون الشخص مولودا اعتبار لمعلوليته، وكونه والدا