للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للمطيعين، فثبت أن المراد كونهم غير مؤتمنين على أوامر الله وغير مقتدى بهم فيها

قال صلى الله عليه وسلم «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق»

فالفاسق لا ينبغي أن يكون حاكما ولا تنفذ أحكامه إذا ولي الحكم، ولا تقبل شهادته ولا خبره إذا أخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا فتياه إذا أفتى، ولا يقدم للصلاة وإن كان بحيث لو اقتدى به لم تفسد صلاته. قال أبو بكر الرازي: ومن الناس من يظن أن مذهب أبي حنيفة أنه يجوز كون الفاسق إماما وخليفة ولا يجوز كون الفاسق قاضيا، وهذا خطأ عظيم. نعم أنه قال: القاضي إذا كان عدلا في نفسه وتولى القضاء من إمام جائر فإن أحكامه نافذة والصلاة خلفه جائزة، لأن الذي ولاه بمنزلة سائر أعوانه. وليس من شرط أعوان القاضي أن يكون عدولا، ألا ترى أن أهل بلد لا سلطان عليهم لو اجتمعوا على الرضا بتولية رجل عدل منهم القضاء حتى يكونوا أعوانا له على من امتنع من قبول أحكامه كان قضاؤه نافذا وإن لم يكن له ولاية من جهة إمام ولا سلطان؟ قال: وكيف يجوز أن يدعي ذلك على أبي حنيفة وقد أكرهه ابن هبيرة في أيام بني أمية على قضائه وضربه فامتنع من ذلك فحبس فلج ابن هبيرة وجعل يضربه كل يوم أسواطا، فلما خيف عليه قال له الفقهاء: اقبل له شيئا من عمله أي شيء كان حتى يزول عنك الضرب، فتولى له عد أحمال التبن التي تدخل عليه فخلاه ثم دعاه المنصور إلى مثل ذلك حتى عد له اللبن الذي كان يضرب لسور المدينة، وذلك أنه كان يقول في المنصور وأشياعه: لو أرادوا بناء مسجد وأرادوني على عد آجره لما فعلت، وقصته في أمر زيد بن علي مشهورة، وحمله المال إليه وفتياه الناس سرا في وجوب نصرته والقتال معه، وكذلك أمره مع محمد وإبراهيم ابني عبد الله بن الحسن. وفي الآية إنذار بليغ وتخويف شديد عن وخامة عاقبة الظلم وقبح موقعه فإنه يحط أولا عن رتبة النبوة لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ وثانيا عن درجة الولاية أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ [هود: ١٨] وثالثا عن مرتبة السلطنة «بيت الظالم خراب ولو بعد حين» ، ورابعا عن نظر الخلائق

«جبلت القلوب على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها»

وخامسا عن حظ نفسه وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [البقرة: ٥٧] ولله در القائل:

لا تظلمن إذا ما كنت مقتدرا ... فالظلم آخره يأتيك بالندم

نامت عيونك والمظلوم منتبه ... يدعو عليك وعين الله لم تنم

<<  <  ج: ص:  >  >>