للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إجابة الدعاء وبعثة الرسل وإنزال الكتب وَمَنْ يَرْغَبُ الاستفهام فيه لتقرير النفي أي لا يرغب أحد. يقال: رغب عن الأمر إذا كرهه ورغب فيه إذا أراده. ومحل مَنْ سَفِهَ الرفع على البدل من الضمير في يَرْغَبُ وذلك أنه غير موجب مثل «هل جاءك أحد إلا زيد» وسفه إما متعد: ومعنى سفه نفسه امتهنها واستخفها فأصل السفه الخفة

وفي الحديث «الكبر أن نسفه الحق وتغمص الناس»

لأنه إذا رغب عما لا يرغب عنه عاقل قط فقد بالغ في إذالة نفسه وتعجيزها حيث خالف بها كل نفس عاقلة. وعن الحسن: إلا من جهل نفسه فلم يفكر فيها، فيستدل بما يجده فيها من آثار الصنع على وحدانية الله تعالى وحكمته ويرتقي إلى صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم. وعن أبي عبيدة: أهلك نفسه وأوبقها. وقيل: أضل نفسه وإما لازم فمعناه سفه في نفسه فحذف الجار نحو «زيد ظني مقيم» أي في ظني وقيل: نصب على التمييز نحو «غبن رأيه وألم رأسه» وهذا عند الكوفيين. فإن التمييز عندهم يجوز أن يكون معرفة. وفيه توبيخ لليهود والنصارى ومشركي العرب وتعجيب من حالهم، فإن أعظم مفاخرهم وفضائلهم الانتماء إلى إبراهيم، ثم إنهم لا يؤمنون بالرسول الذي هو دعوته ومطلوبه بالتضرع والإخلاص. فإن قيل: ملة إبراهيم عين ملة محمد في الأصول والفروع، أو هما متحدتان في الأصول كالتوحيد والنبوة، وأصول مكارم الأخلاق ولكنهما مختلفتان في فروع الأعمال ولا سبيل إلى الأول وإلا لم يكن شرع محمد صلى الله عليه وسلم ناسخا لسائر الشرائع ولا إلى الثاني لأنه يلزم أن يكون محمد أيضا راغبا عن ملة إبراهيم، ولأن الاعتراف بالأصول لا يقتضي الاعتراف بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم؟ قلنا: المختار اتحاد الملتين في الأصول فقط، لكن نبوة محمد صلى الله عليه وسلم من جملة الأصول التي مهدها إبراهيم عليه السلام. والمراد بملة إبراهيم في الآية أصولها التي لا تختلف بمر الأعصار وكر الدهور، فلا يلزم أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم راغبا عنها لأنه أمر باتباعها ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً [النحل: ١٢٣] روي أن عبد الله بن سلام دعا ابني أخيه سلمة ومهاجرا إلى الإسلام فقال لهما: قد علمنا أن الله قال في التوراة: إني باعث من ولد إسماعيل نبيا اسمه أحمد، فمن آمن به فقد اهتدى ورشد، ومن لم يؤمن به فهو ملعون. فأسلم سلمة وأبى مهاجر أن يسلم فنزلت. ثم إنه تعالى لما سفه من يرغب عن ملة إبراهيم بين السبب في ذلك فقال وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا أي اخترناه للرسالة من دون الخليفة وعرفناه الملة الجامعة للتوحيد والعدل والإمامة الباقية إلى قيام الساعة حتى نال منزلة الخلة وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ فيلزمه ما يلزمهم من الكرامة وحسن الثواب فليتحقق كل ذي لب أن الراغب عن سيرة من هو فائز بسعادة الدارين لا رأي له والله الموفق. ثم بين سبب الاصطفاء فأعمل اصْطَفَيْناهُ في إِذْ قالَ أي

<<  <  ج: ص:  >  >>