للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكرامة من عنده. أَمْ تَقُولُونَ من قرأ بتاء الخطاب احتمل أن تكون «أم» منقطعة بمعنى استئناف استفهام آخر أي بل أتقولون والهمزة للإنكار كما في أَتُحَاجُّونَنا واحتمل أن تكون متصلة بمعنى أي الأمرين تأتون المحاجة في حكمة الله أم ادعاء اليهودية والنصرانية على الأنبياء إنكارا عليهم واستجهالا لهم بما كان منهم. وعن الزجاج: بأي الحجتين تتعلقون في أمرنا، أبالتوحيد فنحن موحدون، أم باتباع دين الأنبياء فنحن متبعون؟ ومن قرأ بياء الغيبة فلا تكون إلا منقطعة لانقطاع الاستفهام الأول بسبب الالتفات. قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ بل الله أعلم وخبره أصدق، وقد أخبر في التوراة والإنجيل والقرآن بأن إبراهيم ما كان يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما، وكيف لا وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده؟ ولأنهم مقرون بأن الله أعلم، وقد أخبر بنقيض ما ادعوه فإن قالوا ذلك عن ظن فقد بان لهم خطؤه، وإن قالوا ذلك عن جحود وعناد فما أجهلهم وأشقاهم، فإذن فائدة الكلام إما التنبيه وإما التجهيل. وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ قوله مِنَ اللَّهِ إما أن يتعلق بأظلم والمعنى لو كان إبراهيم وبنوه هودا أو نصارى، ثم إن الله كتم هذه الشهادة لم يكن أحد ممن يكتم شهادة أظلم منه لأن الظلم من الأعدل أشنع، وإما أن يتعلق بكتم أي لا أحد أظلم ممن عنده شهادة، ثم إنه لم يقمها عند الله وكتمها وأخفاها منه وإما أن يتعلق بشهادة كقولك «عندي شهادة من فلان» ومثله بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ والمعنى ليس أحد أظلم ممن كتم شهادة عنده جاءته من الله، وفيه إشارة إلى أن المؤمنين لم يكتموا ما عندهم من الحق وشهدوا لإبراهيم بالحنيفية، وتعريض بأن أهل الكتاب قد كتموا شهادات الله فأنكروا نبوة محمد وحنيفية إبراهيم وغير ذلك من تحريفاتهم. وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ كلام جامع لكل وعيد لهم ولأضرابهم، ولو أن أحدا كان عليه رقيب من قبل ملك مجازي لكان دائم الحذر والوجل، فكيف بالرقيب القريب الذي يعلم أسراره وبعد عليه أنفاسه وأفكاره ثم هو يقدر على أن يدخله جنته أو ناره؟ تِلْكَ أُمَّةٌ إشارة إلى إبراهيم وبنيه. كما مر، وإنما أعيدت الآية هاهنا لغرض آخر وهو زجرهم عن الاشتغال بوصف ما عليه الأمم السالفة من الدين فإن أديانهم لا تنفع إلا إياهم لاندراس آثارها وانطماس أنوارها، وأما الآن فالدين هو الإسلام الثابت بالدليل القاطع والبرهان البين فيجب اتباع المعلوم واقتفاؤه وإلقاء المظنون وإلغاؤه، ولا يسأل المتأخر عن المتقدم ولا المحسن عن المسيء وكل بعمله مجزي.

تم الجزء الأول، ويليه الجزء الثاني أوله: سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ...

<<  <  ج: ص:  >  >>