يلزم من تخصيصهما تخصيصها. قالوا: أخبر عنهم بالإصرار والاستمرار وهذا شأن المعاند اللجوج لا دأب العامي المتحير. وردّ بأن المقلد أيضا قد يصر. قالوا: الحمل على العموم يكذبه الوجود فإن كثيرا من أهل الكتاب آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم واتبع قبلته. ووجه بأن المراد من قوله ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ أنهم لا يجتمعون على الاتباع كقوله وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى [الأنعام: ٣٥] وسلب الاجتماع لا ينافى اتباع البعض بِكُلِّ آيَةٍ بكل برهان قاطع على أن التوجه
إلى الكعبة هو الحق ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ جواب للقسم المحذوف ساد مسد جواب الشرط واللام في وَلَئِنْ لتوطئه القسم أي والله لئن أتيتهم بكل برهان ما اجتمعوا على قبلتك لأن فيهم من قد ترك اتباعك لا لشبهة تزيلها بإيراد الحجة بل عنادا ومكابرة مع علمهم بما في كتبهم من نعتك. ومن خص اللفظ بالعلماء بأن صح عنده أنه لم يتبع منهم أحد قبلتنا لم يحتج إلى هذا التأويل بل يكون ما تبعوا في قوة ما تبع أحد منهم وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ رفع لتجويز النسخ وبيان أن هذه القبلة لا تصير منسوخة بالتوجه إلى بيت المقدس حسما لأطماع أهل الكتاب فإنهم طمعوا في رجوعه إلى قبلتهم وقالوا: لو ثبت على قبلتنا لكنا نرجو أن يكون صاحبنا الذي ننتظره. وفيه أنه لا يجب عليه استصلاحهم باتباع قبلتهم لأن ذلك معصية. وإنما وحد القبلة للعلم بأن لليهود قبلة وللنصارى قبلة أخرى أو لأنهما بحكم الاتحاد في البطلان واحد وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ إن حمل على الحال فالمعنى أنهم ليسوا مجتمعين على قبلة واحدة حتى يمكن رضاهم باتباعها أو أنهم مع اتفاقهم على تكذيبك متباينون في القبلة فكيف يدعونك إلى شيئين مختلفين؟ أو أنه إذا جاز أن يختلف قبلتاهما للمصلحة فلم لا يجوز أن تكون المصلحة في ثالث؟ وإن حمل على الاستقبال فالمعنى أن اليهود لا تترك قبلتهم إلى المشرق، ولا النصارى إلى المغرب، بحيث تتعطل إحدى القبلتين، لا أن اليهودي لا يصير نصرانيا أو بالعكس فإن ذلك قد وقع. أخبر الله تعالى عن تصلب كل حزب فيما هو فيه محقا أو مبطلا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ كلام على سبيل الفرض والتقدير لقرينة وما أنت بتابع قبلتهم المعنى لئن اتبعت مثلا بعد وضوح الدلائل وانكشاف جلية الأمر في باب الديانة إِنَّكَ إِذاً أي إذا اتبعت لمن المرتكبين الظلم الفاحش لأن صغائر الرجل الكبير كبائر فكيف بكبائره؟ وفيه أن ترك العمل من العلماء أقبح، وفيه لطف للنبي صلى الله عليه وسلم فإن مزيد المحبة تقتضي التخصيص بمزيد التحذير، ولعله كان في بعض الأمور يتبع أغراضهم كترك المخاشنة في القول واستمالة قلوبهم طمعا منه في إسلامهم ومعاضدتهم، فنهى عن ذلك القدر أيضا وآيسه منهم بالكلية. كقوله وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا