وَنَقْصٍ عطف على بِشَيْءٍ ويحتمل أن يعطف على الخوف بمعنى وشيء من نقص الأموال. والخطاب في وَبَشِّرِ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أو لكل من يتأتى منه البشارة. قال الإمام الغزالي رحمه الله: الصبر من خواص الإنسان ولا يتصور ذلك في البهائم لنقصانها، فليس لشهواتها عقل يعارضها حتى يسمى ثبات تلك القوة في مقابلة مقتضى الشهوة صبرا، ولا في الملائكة فليس لعقلهم شهوة تصرفهم عن الاشتغال بخدمة الكبير المتعال وتمنعهم عن الاستغراق في مطالعة حضرة ذي الجلال. وأما الإنسان فإنه في الصبا بمنزلة البهيمة ليس له إلا شهوة الغذاء، ثم شهوة اللعب بعد حين، ثم شهوة النكاح لكنه إذا بلغ انضم له مع الشهوة الباعثة على اللذات العاجلة عقل يدعوه إلى الإعراض عنها والإقبال على تحصيل السعادات الباقية، فيقع بين داعيتي العقل والشهوة تضاد قصد العقل إياها هو المعنى بالصبر. وإنه ضربان: بدني فعلا كتعاطي الأعمال الشاقة، أو انفعالا كالثبات على الآلام، ونفساني وهو منع النفس عن مقتضيات الطبع، فإن كان حبسا عن شهوة البطن والفرج سمي عفة، وإن كان احتمال مكروه، فإن كان من مصيبة خص باسم الصبر ويضاده حالة هي الجزع وهي إطلاق داعي الهوى في رفع الصوت وضرب الخد وشق الجيب ونحوها، وإن كان في حال الغنى سمي ضبط النفس، ويضاده حالة البطر. وإن كان في حال مبارزة الأقران سمي شجاعة ويضاده الجبن، وإن كان في كظم الغيظ والغضب يسمى حلما ويضاده النزق، وإن كان في نائبة من النوائب سمي سعة الصدر ويضاده الضجر وضيق الصدر، وإن كان في إخفاء كلام يسمى كتمان النفس، وإن كان عن فضول العيش سمي زهدا وضده الحرص، وإن كان على قدر يسير من المال سمي قناعه ويضاده الشره. وليس الصبر أن لا يجد الإنسان ألم المكروه ولا أن لا يكره ذلك فإنه غير ممكن، وإنما الصبر على المصيبة هو حمل النفس على ترك إظهار الجزع. ولا بأس بظهور الدمع وتغير اللون
فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم بكى على إبراهيم ابنه فقيل له في ذلك فقال: إنها رحمة، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء. ثم قال: العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا.
ثم الصبر عند الصدمة الأولى وإلا سمي سلوا وهو مما لا بد منه ولهذا قيل: لو كلف الناس إدامة الجزع لم يقدروا عليه. وقد وصف الله تعالى الصبر في القرآن في نيف وسبعين موضعا وأضاف أكثر الخيرات إليه فقال وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا [السجدة:
٢٧] وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا [اعراف: ١٣٧] وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ [النحل: ٩٦] إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ [الزمر: ١٠] فما من طاعة إلا وأجرها مقدر إلا الصبر،