أنفسنا بالهلك إِنَّا لِلَّهِ إشارة إلى المبدأ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ تصريح بالمعاد. إِنَّا لِلَّهِ إعلام بالفناء فيه وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ إشعار بالبقاء به. إِنَّا لِلَّهِ إيمان بقضائه وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ إيمان بقدره. واعلم أن الرضا بالقضاء إنما يحصل للعبد من الله تعالى بطريقين:
الصرف أو الجذب أما الصرف فمتى مال قلبه إلى شيء والتفت خاطره إليه جعله تعالى منشأ للآفات لينصرف وجه قلبه من عالم الحدوث إلى جانب القدس، كما أن آدم لما تعلق قلبه بالجنة جعلها محنة عليه حتى زالت الجنة فبقي آدم مع ذكر الله. ولما استأنس يعقوب بيوسف أوقع الفراق بينهما فبقي يعقوب مع ذكر الحق. ولما طمع محمد صلى الله عليه وسلم من أهل مكة في النصرة والإعانة صاروا من أشد الناس بغضا له فأخرجوه. وقد لا يجعل ذلك الشيء بلاء ولكن يرفعه من البين حتى لا يبقى لا البلاء ولا الرحمة، فحينئذ يرجع العبد إلى الله.
وقد يتوقع العبد من جانب خيرا فيعطيه الله تعالى ذلك بلا واسطة فيستحي العبد فيرجع إلى الله. وأما الجذب فجذبة من جذبات الرحمن توازي عمل الثقلين. ومن جذبه الحق إلى نفسه صار مغلوبا لأن الحق غالب فتصير الربوبية غالبة على العبودية، والحقيقة مستعلية على المجاز، كالعبد الداخل على السلطان المهيب ينصرف فكره إليه ويشتغل بالكلية عمن سواه ويصير فانيا عن نفسه وعن حظوظها فيحصل له مرتبة الرضا بأقضية الحق سبحانه من غير أن يبقى في طاعته شبهة المنازعة.
عن النبي صلى الله عليه وسلم «من استرجع عند المصيبة جبر الله مصيبته وأحسن عقباه وجعل له خلفا صالحا يرضاه»
وروي أنه طفىء سراج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ فقيل: أمصيبة هي؟ قال: نعم. كل شيء يؤذي المؤمن فهو له مصيبة.
وعن أم سلمة أن أبا سلمة حدثها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «ما من مسلم يصاب بمصيبة فيفزع إلى ما أمر الله به» من قوله: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ اللهم عندك احتسبت مصيبتي فأجرني منها وعوّضني خيرا منها ألا أجره الله عليها وعوضه خيرا منها» «١» .
قالت: فلما توفي أبو سلمة ذكرت هذا الحديث وقلت: هذا القول فعوّضني الله محمدا صلى الله عليه وسلم.
وعن ابن عباس: أخبر الله تعالى أن المؤمن إذا سلم لأمر الله ورجع واسترجع عند مصيبته كتب الله تعالى له ثلاث خصال: الصلاة من الله والرحمة وتحقيق سبيل الهدى. وعن عمر قال: نعم العدلان إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ونعم العلاوة وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ. قيل: الصلوات من الله الثناء والمدح والتعظيم،
(١) رواه أبو داود في كتاب الجنائز باب ١٨. الترمذي في كتاب الدعوات باب ٨٣. ابن ماجه في كتاب الجنائز باب ٥٥. أحمد في مسنده (٤/ ٢٧) .