للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في أنفسهما آيتين على وجود الصانع ووحدانيته ظاهر، وكذا من جهة ارتباطهما بحركة النير الأعظم، وكذا من جهة انتظام أحوال العباد بهما بسبب طلب المعاش في الأيام والنوم والراحة في الليالي. ومن الغرائب تعاون المتنافيين على أمر واحد هو إصلاح معاش الحيوان، وأن إقبال الخلق في أول الليل على النوم يشبه موت الخلائق أولا عند النفخة الأولى، ويقظتهم عند طلوع الفجر تضاهي عود الحياة إليهم في النفخة الثانية، وانشقاق ظلمة الليل بظهور الفجر المستطيل فيه من أعجب الأشياء كأنه جدول ماء صاف يسيل فيما بين بحر كدر بحيث لا يمتزجان. وكل هذه الأمور دلائل على وجود مبدع عظيم الشأن غني عن الزمان والمكان مبرأ عن سمات الحدوث والإمكان.

الرابعة: الفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس أي متلبسة بالذي ينفعهم مما يحمل فيها، أو بنفع الناس. والفلك بالضم والسكون السفينة، واحد وجمع. فضمة الواحد ضمة برد وضمة الجمع ضمة أسد، وتأنيث صفته هاهنا أن يكون لتضمين معنى السفينة، ويحتمل أن يكون لمعنى الجمعية أي المراكب التي تجري، والتركيب يدل على الاستدارة والدوران ومنه «الفلك جسم كروي يحيط به سطحان متوازيان مركزهما واحد» «وفلكة المغزل» «وفلك ثدي الجارية استدار» . والبحر خلاف البر. قيل: سمي بذلك لاتساعه وتعمقه ومنه «تبحر في العلم والمال» ويسمى الفرس الواسع الجري بحرا.

قال صلى الله عليه وسلم في فرس أبي طلحة: إن وجدناه لبحرا

وقيل: من الشق بحرت أذن الناقة شققتها.

ومنه البحيرة. هذا وقد سلف في تفسير قوله عز من قائل الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً [البقرة: ٢٢] . أن الماء محيط بأكثر جوانب القدر المعمور من الأرض فذلك هو البحر المحيط. وقد دخل من ذلك الماء من جانب الجنوب متصلا بالمحيط الشرقي ومنقطعا عن الغربي إلى وسط العمارة أربعة خلجان: أولها إذا ابتدئ من الغرب الخليج البربري لكونه حدود بربر من أرض الحبشة طوله من الجنوب إلى الشمال مائة وستون فرسخا، وعرضه خمسة وثلاثون فرسخا. وعلى ضلعه الغربي بلاد كفار الحبشة وبعض الزنج، وعلى الشرقي بلاد مسلمي الحبشة. وثانيها الخليج الأحمر، طوله من الجنوب إلى الشمال أربعمائة وستون فرسخا، وعرضه بقرب منتهاه ستون فرسخا، وبين طرفه وفسطاط مصر الذي على شرقي النيل مسيرة ثلاثة أيام على البر، وعلى ضلعه الغربي بلاد الزنج من البربر وبعض بلاد الحبشة، وعلى ضلعه الشرقي سواحل عليها فرضة مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم لقوافل مصر والحبشة إلى الحجاز، ثم سواحل اليمن، ثم عدن على الزاوية الشرقية منه.

وثالثها خليج فارس، طوله من الجنوب إلى الشمال أربعمائة وستون فرسخا، وعرضه

<<  <  ج: ص:  >  >>