الخامس: قوله الْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وهو مرفوع على المدح أي هم الموفون، أو عطف على مَنْ آمَنَ والمراد بالعهد ما أخذه الله من العهود على عباده بقولهم وعلى ألسنة رسله إليهم بالقيام بحدوده والعمل بطاعته، فقبل العباد ذلك حيث آمنوا بالأنبياء والكتب. ويندرج فيه ما يلتزمه المكلف ابتداء من تلقاء نفسه مما يكون بينه وبين الله كالنذور والأيمان، أو بينه وبين رسول الله كبيعة الرضوان بايعوه على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره وعلى أن لا يقولوا إلا بالحق أينما كانوا لا يخافون في الله لومة لائم، أو بينه وبين الناس واجبا كعقود المعاوضات، أو مندوبا كالمواعيد، فلهذا قال المفسرون هاهنا: هم الذين إذا واعدوا أنجزوا، وإذا حلفوا أو نذروا أوفوا، وإذا اؤتمنوا أدّوا، وإذا قالوا صدقوا.
السادس: وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وهو نصب على المدح والاختصاص إظهارا لفضل الصبر في الشدائد ومواطن القتال على سائر الأعمال. قال أبو علي الفارسي: إذا ذكرت الصفات الكثيرة في معرض المدح أو الذم فالأحسن أن يخالف بإعرابها ولا تجعل كلها جارية على موصوفها، لأن هذا الموضع من مواضع الإطناب في الوصف والإبلاغ في القبول، فإذا خولف بإعراب الأوصاف كان المقصود أكمل لأن الكلام عند اختلاف الإعراب يصير كأنه أنواع من الكلام وضروب من البيان، وعند الاتحاد في الإعراب يكون وجها واحدا أو جملة واحدة. وذكر المحققون في إفادة اختلاف الحركة المدح والذم أن أصل المدح والذم من كلام السامع، وذلك أن الرجل إذا أخبر غيره فقال له: قام زيد. فربما أثنى السامع على زيد وقال: ذكرت والله الظريف وذكرت العاقل. أو هو- والله- الطريف، أو هو العاقل. فأراد المتكلم أن يمدحه بمثل ما مدحه به السامع فجرى الإعراب على ذلك أي أريد الظريف أو العاقل والْبَأْساءِ الفقر والشدة وَالضَّرَّاءِ المرض والزمانة. وهما فعلاء من البؤس والضر لا أفعل لهما لأنهما ليسا بنعتين وَحِينَ الْبَأْسِ القتال في سبيل الله والجهاد. وأصل البأس الشدة أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا في إيمانهم وجدّوا في الدين وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ونظير هاتين الجملتين في القطع للاستئناف قوله أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [البقرة: ٥] كأنه قيل: ما للمستقلين بهذه الصفات وصفوا بالبر الذي هو أصل كل خير؟ فأجيب بأن أولئك الموصوفين لهم قدم صدق في الإسلام، وهم المتسمون بسمة التقوى. وكل منهم منطو على جميع الخيرات ومتضمن لكل المأمورات والمنهيات، فلهذا اتصفوا بتلك الصفات. وذكر الواحدي هاهنا أن الواوان في هذه الأوصاف للجمع. فمن شرائط البر