للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالخير في الآية مقدر بمقدار معين أم لا. فمنهم من قال: إنه غير مقدّر ويختلف ذلك باختلاف حال الرجل. فقد يوصف المرء لمقدار من المال بأنه غنيّ ولا يوصف غيره بالغنى لذلك المقدار لأجل كثرة العيال وتوسع النفقة، فيكون التعيين في كل صورة موكولا إلى الاجتهاد، وهذا لا ينافي أصل الإيجاب. ومنهم من قال: إنه مقدر. ثم اختلفوا

فعن علي كرم الله وجهه: أنه دخل على مولى في مرض الموت وله سبعمائة درهم فقال: ألا أوصي؟ قال: لا قال الله تعالى إِنْ تَرَكَ خَيْراً وليس لك كثير مال.

وعن عائشة أن رجلا قال لها: إني أريد أن أوصي. قالت: كم مالك؟ قال: ثلاثة آلاف. قالت:

كم عيالك؟ قال أربعة. قالت: قال الله تعالى إِنْ تَرَكَ خَيْراً وإن هذا لشيء يسير فاتركه لعيالك فهو أفضل. وعن ابن عباس: أنه إذا ترك سبعمائة درهم فلا يوصي، فإذا بلغ ثمانمائة درهم أوصى. وعن قتادة: ألف درهم. وعن النخعي من ألف إلى خمسمائة درهم. قال أبو البقاء: جواب الشرط عند الأخفش الوصية بحذف الفاء أي فالوصية للوالدين على الابتداء والخبر واحتج بقول الشاعر:

من يفعل الحسنات الله يشكرها وقال غيره: جواب الشرط في المعنى ما تقدم من كتب الوصية كما تقول «لك كذا إن فعلت» ويجوز أن يكون جواب الشرط معنى الإيصاء لا معنى الكتب بناء على رفع الوصية بكتب وهو الوجه. وقيل: المرفوع بكتب الجار والمجرور وهو عَلَيْكُمْ وليس بشيء وأما إذا فهو ظرف لمعنى الوصية ولا يحتاج إلى جواب. والأقربين قيل هم الأولاد عن ابن زيد. وقيل من عدا الولد عن ابن عباس ومجاهد. وقيل: جميع القرابات. وقيل:

غير الوارث. وقوله بِالْمَعْرُوفِ أمر بأن يسلك في الوصية الطريقة الجميلة. فلو حرم الفقير ووصى للغني لم يكن معروفا، ولو سوّى بين الوالدين مع عظم حقهما وبين بني العم لم يكن معروفا، ولو أوصى لأولاد الجد البعيد مع حضور الإخوة لم يكن ما يأتيه معروفا. وحَقًّا مصدر مؤكد أي حق ذلك حقا على المتقين على الذين آثر والتقوى وجعلوها مذهبا لهم وسيرة.

واعلم أن الأئمة القائلين بوجوب هذه الوصية اختلفوا في أنها منسوخة أم لا. أما أبو مسلم فإنه اختار عدم نسخها وقال: معناها كتب عليكم ما أوصى الله به من توريث الوالدين والأقربين في قوله تعالى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ [النساء: ١١] أو كتب على المحتضر أن يوصي للوالدين والأقربين بتوفير ما أوصى الله به لهم عليهم وأن لا

<<  <  ج: ص:  >  >>