للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غالب قوت البلد لكل يوم ويصرف إلى الفقير والمسكين. قالوا: كان ذلك في بدء الإسلام فرض عليهم الصوم ولم يتعوّدوه فاشتد عليهم فرخص لهم في الإفطار والفدية. عن سلمة بن الأكوع: لما نزلت وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ كان من أراد أن يفطر يفطر ويفتدي حتى نزلت فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ فنسختها. من قرأ بإضافة الفدية إلى طعام فالإضافة فيه كهي في قولك «خاتم حديد» ومن قرأ «مساكين» على الجمع فلأن الذين يطيقونه جمع فكل واحد منهم يلزمه طعام مسكين لكل يوم. والاعتبار بمدّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مائة وثلاثة وسبعون درهما وثلث الدرهم.

الثاني: أن هذا راجع إلى المسافر والمريض. وذلك أن المريض والمسافر منهما من لا يطيق أصلا وإليه الإشارة بقوله فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ومنهما من يطيق الصوم مع الكلفة وهو المراد بقوله وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ قالوا: هذا أولى ليلزم النسخ أقل، فإن نسخ التخيير بين الصوم والفدية عن المريض المطيق أقل من نسخ التخيير عنه وعن الصحيح المقيم.

الثالث: أنه نزل في الشيخ الهرم. عن السدي: وعلى هذا لا تكون الآية منسوخة ويؤيده القراءة الشاذة يطوّقونه تفعيل من الطوق إما بمعنى الطاقة أو القلادة أي يكلفونه، أو يقلدونه. والتركيب يستعمل فيمن يقدر على شيء مع ضرب من المشقة والكلفة وبعضهم أضاف إلى الشيخ الهرم الحامل والمرضع إذا خافتا على نفسيهما وولديهما. واتفقوا على أن الشيخ إذا أفطر فعليه الفدية، وأما الحامل والمرضع إذا أفطرتا فقال الشافعي: عليهما القضاء والفدية لحق الوقت. وقال أبو حنيفة: لا يجب إلا القضاء كيلا يلزم الجمع بين البدلين. فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً بأن يطعم مسكينين أو أكثر أو يطعم المسكين الواحد أكثر من القدر الواجب، أو صام مع الفدية عن الزهري. فَهُوَ أي التطوع خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا أيها المطيقون أو المطوقون وتحملتم متاعب الصيام خَيْرٌ لَكُمْ من الفدية وتطوّع الخير.

ويجوز أن ينتظم في الخطاب المريض والمسافر أيضا عند من يرى أن الصوم لهما أفضل إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أن الصوم أشق عليكم وأن أجركم على قدر نصبكم، أو تعلمون بالله فتخشونه فتمتثلون أمره إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ [فاطر: ٢٨] أو تعلمون ما في الصوم من الفوائد الدنيوية والأخروية.

عن علي كرم الله وجهه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «يقول الله عز وجلّ الصوم لي وأنا أجزي به وللصائم فرحتان حين يفطر وحين يلقى ربه. والذي

<<  <  ج: ص:  >  >>