والخيط الأسود ما اتصل به من آخر الليل. ومن الناس من قال: لا يجوز الإفطار إلا عند غروب الحمرة، كما أنه لا يجوز الأكل إلا إلى طلوع الفجر. وهذه المذاهب قد انقرضت، والفقهاء أجمعوا على بطلانها. يحكى عن الأعمش أنه دخل عليه أبو حنيفة يعوده فقال له الأعمش: إنك لثقيل على قلبي وأنت في بيتك فكيف إذا زرتني؟ فسكت عنه أبو حنيفة، فلما خرج قيل له: لم سكت عنه؟ قال: ماذا أقول في رجل ما صام ولا صلى في دهره عنى أنه كان يأكل بعد الفجر الثاني قبل طلوع الشمس فلا صوم له، وكان لا يغتسل من الإكسال فلا صلاة له. واعلم أن في الآية ترتيبا عجيبا ونسقا أنيقا وذلك أن الرفث لما كان من أشنع الأمور التي يجب الإمساك عنها في رمضان حتى قال بعض الناس إنه كان حراما في رمضان ليلا ونهارا وفيه قد وقعت الخيانة كما مر في الإخبار. قدم إباحته أولا ثم بين السبب في إباحته، ثم وبخ المختانون في شأنه وعقب التوبيخ بالعفو وقبول التوبة، ثم أعيد ذكر إباحته ليترتب عليه الغرض الأصلي من الرفث وهو طلب النسل، وليعطف عليه إباحة الأكل والشرب جميع ذلك إلى آخر جزء من أجزاء الليل، ثم لما بين مدة الإفطار وما أبيح فيها بين مدة الصوم الذي هو المقصود الأصلي تلك المدة هي ما بقي من مدة الإفطار إلى تمام أربع وعشرين ساعة هي مجموع اليوم بليلته، أعني من أول الفجر الصادق إلى غروب الشمس، ثم لما كان زمان الاعتكاف مستثنى من ذلك لأنه فهم من الآية أن الإمساك عن الرفث كان مختصا بنهار رمضان لا بليلته ولا بسائر أيام السنة ولياليها عقب إباحة الرفث فيما سوى نهار رمضان بخطره في حال الاعتكاف فقيل وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ
قال الشافعي: الاعتكاف حبس المرء نفسه على شيء برا كان أو إثما. قال تعالى يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ [الأعراف: ١٣٨] والاعتكاف الشرعي: المكث في بيت الله تعالى تقربا إليه. وهو من الشرائع القديمة. قال تعالى أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ [البقرة: ١٢٥] وللأئمة خلاف في المراد من المباشرة هاهنا. فعن الشافعي: في أصح قوليه ووافقه أبو حنيفة وأحمد: إنها الجماع والمقدمات المفضية إلى الإنزال. لأن الأصل في لفظ المباشرة ملاقاة البشرتين. فالمنع من هذه الحقيقة ما دام في المعتكف وحين يخرج لحاجة ولم تتم مدة الاعتكاف منع عن القبلة والعناق وكل ما فيه تلاصق البشرتين.
خالفنا الدليل فيما إذا لم ينزل من هذه الأمور لتبين عدم الشهوة فيها، وقد علم أن اللمس بغير شهوة جائزة لأنه صلى الله عليه وسلم كان يدني رأسه من عائشة لترجل رأسه وهو صلى الله عليه وسلم معتكف، فيبقى ما فيه الشهوة على أصل المنع. احتج من قال إنها لا تبطل الاعتكاف بأن هذه الأمور لا تبطل الصوم والحج فلا تفسد الاعتكاف، لأنه ليس أعلى درجة منهما. وأجيب بأن النص مقدم على