للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى: وَقاتِلُوهُمْ وقيل: إنه ناسخ لقوله: وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وهو وهم لأن البداءة بالمقاتلة عند المسجد الحرام نفت حرمته. غاية ما في الباب أن هذه الآية عامة وما قبلها مخصصة إياها وهذا جائز، فإن القرآن ليس على ترتيب النزول، ولو كان على الترتيب أيضا فلا يضرنا لجواز نزول الخاص قبل العام عندنا وذلك أن الخاص قاطع في دلالته تقدم أو تأخر، والعام دلالته على ما يدل عليه الخاص غير مقطوع بها فلا بد من التخصيص جمعا بينهما حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ قيل: أي شرك وكفر. وعلى هذا فالآية محمولة على الأغلب. فإن قتالهم لا يزيل الكفر رأسا، وإنما الغالب الإزالة لأن من قتل منهم فقد زال كفره ومن لم يقتل كان خائفا من الثبات على كفره. والحاصل قاتلوهم حتى تكون كلمة الله هي العليا وهو المراد أيضا من قوله: وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ أي ليس للشيطان فيه نصيب لوضوح شأنه وسطوع برهانه كما قال تعالى: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ [الصف: ٩] ولا يعبأ بالمخالف لقلة شوكته وسقوطه عن درجة الاعتداد به، أو محمولة على قصد إزالة الكفر فترتب هذا العزم على القتال كلي لا يتخلف عنه. وقيل: فتنتهم أنهم كانوا يضربون أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم ويؤذونهم حتى ذهب بعضهم إلى الحبشة ثم إلى المدينة، أي قاتلوهم حتى تظهروا عليهم ولا يفتنوكم عن دينكم. وعن أبي مسلم: معناه قاتلوهم حتى لا يكون منهم القتال الذي إذا بدأوا به كان فتنة على المؤمنين لما يخافون عنده من أنواع المضار.

ولا يخفى أن قوله: وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ يرجح القول الأول ليكون المعنى: وقاتلوهم حتى يزول الكفر ويظهر الإسلام فَإِنِ انْتَهَوْا عن الأمر الذي وجب قتالهم لأجله وهو إما الكفر أو القتال فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ أي فلا تعدوا على المنتهين فيكون مجموع قوله إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ قائما مقام على المنتهين. لأن مقاتلة المنتهين عدوان وظلم، فنهوا عنه بدليل انحصاره في غير المنتهين. أو فلا تظلموا إلا الظالمين غير المنتهين.

وعلى الوجهين سمي جزاء الظلم ظلما للمشاكلة كما يجيء في قوله تعالى: فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ أو أريد إنكم إن تعرضتم لهم بعد الانتهاء كنتم ظالمين فيتسلط عليكم من يعدو عليكم. قاتلهم المشركون عام الحديبية في الشهر الحرام وهو ذو القعدة سنة ست من الهجرة وصدّوهم عن البيت. فقيل لهم عند خروجهم لعمرة القضاء وكراهتهم القتال وذاك في ذي القعدة سنة سبع الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ أي هذا الشهر بذاك الشهر، وهتكه بهتكه. فلما لم تمنعكم حرمته عن الكفر والأفعال القبيحة فكيف تمنعنا عن القتال معكم دفعا لشروركم وإصلاحا لفسادكم؟ والحرمة ما لا يحل انتهاكه، والقصاص المساواة أي وكل حرمة يجري فيها القصاص من هتك حرمة أيّ حرمة

<<  <  ج: ص:  >  >>