للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيل: إنه منع المرض خاصة وهو باطل بالدلائل المذكورة وزيادة وهي أن المفسرين أجمعوا على أن سبب نزول الآية أن الكفار أحصروا النبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية. والأئمة وإن اختلفوا في أن الآية هل تتناول غير سبب النزول أم لا، إلا أنهم اتفقوا على أن خروج ذلك السبب غير جائز. ثم في الآية إضماران، والتقدير: فتحللتم أو أردتم التحلل فعليكم ما استيسر، أو فاهدوا ما استيسر أي ما تيسر مثل استعظم وتعظم واستكبر وتكبر. أما الإضمار الأول فلأن نفس الإحصار لا يوجب هديا وإنما الموجب هو التحلل أو نية التحلل. وأما الإضمار الثاني فلأن قوله: فَمَا اسْتَيْسَرَ إما مرفوع على الابتداء وخبره محذوف، أو منصوب على المفعولية وناصبه محذوف. والهدي جمع هدية كما يقال في جدية السرج وهي شيء محشو تحت دفتي السرج جدي. وقرىء من الهدي جمع هدية كمطية ومطيّ، وهذه لغة تميم. ومعنى الهدي ما يهدى إلى بيت الله تقربا إليه بمنزلة الهدية.

عن علي وابن عباس والحسن وقتادة رضي الله عنهم: أعلاها بدنة وأوسطها بقرة وأدونها شاة.

فعليه ما تيسر له من هذه الأجناس، والمحصر المحرم إذا أراد التحلل وذبح، وجب أن ينوي التحلل. البتة قبل الذبح، وأكثر الفقهاء على أن حكم العمرة في الإحصار حكم الحج، وعن ابن سيرين: أنه لا إحصار فيها لأنها غير موقتة. ورد بأن قوله تعالى: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ مذكور عقيب الحج والعمرة فكان عائدا إليهما، وبأنه صلى الله عليه وسلم تحلل بالإحصار عام الحديبية وكان معتمرا.

وما حد الإحصار؟ قالت العلماء: لو منعوا ولم يتمكنوا من المسير إلا ببذل مال فلهم أن يتحللوا ولا يبذلوا المال وإن قل إذ لا يجب احتمال الظلم في أداء الحج بل يكره البذل إن كان الطالبون كفارا، والأكثرون على إنه لا يجب القتال على الحجيج وإن كان العدو كفارا وكان في مقابلة كل مسلم أقل من مشركين ولو قاتلوا فلهم لبس الدروع والمغافر، لكنهم يفدون كما لو لبسوا المخيط لدفع حر أو برد، لا فرق على الأصح في جواز التحلل بين أن يمنعوا من المضي دون الرجوع أو يمنعوا من جميع الجوانب، لأنهم يستفيدون بالتحليل الأمن من العدو المواجه. ولو صد عن طريق وهناك طريق آخر ووجدوا شرائط الاستطاعة فيه لزمهم سلوكه ولم يكن لهم التحلل في الحال، وإذا سلكوه ففاتهم الحج لحزونته أو لطوله تحلّلوا بعمل عمرة ولا يلزمهم القضاء على الأظهر من قولي الشافعي، لأنهم بذلوا مجهودهم فصاروا كالمصدودين مطلقا، نعم لو استوى الطريقان من كل وجه وجب القضاء لأن الموجود فوات محض. وفي قوله تعالى: وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ حذف لأن الرجل لا يتحلل ببلوغ الهدي محله،

<<  <  ج: ص:  >  >>