الصيام والإطعام فليس في الآية ما يدل على كميتهما وكيفيتهما وبماذا يحصل بيانه؟ فيه قولان: أحدهما وعليه أكثر الفقهاء. ومنهم الشافعي وأبو حنيفة أن بيانه في
حديث كعب بن عجرة قال: حملت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي فقال: ما كنت أرى أن الجهد بلغ بك هذا أما تجد شاة؟ فقلت: لا. قال صم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من طعام واحلق رأسك. فنزلت فيّ خاصة وهي لكم عامة
وثانيهما عن ابن عباس والحسن الصيام كصيام المتمتع عشرة أيام والإطعام مثل ذلك في القدر. قال العلماء المرض قد يحوج إلى اللباس أو إلى الطيب أو إلى الدهن وفي كل منها نوع استمتاع فألحقوا فدية نحو هذه المحظورات بفدية الحلق لاشتراك الجميع في الترفه. والحاصل أنه يدخل فيه كل محظورات الإحرام سوى الجماع ففيه بدنة ثم بقرة ثم سبع شياه ثم طعام بقيمة البدنة ثم صيام بعدد الأمداد كما يجيء في قوله تعالى فَلا رَفَثَ [البقرة: ١٩٧] وسوى الصيد ففيه الجزاء على ما يجيء تفصيله في المائدة. وفي هذه الآية أيضا إضماران أي فحلق فعليه فدية فَإِذا أَمِنْتُمْ إن كان معناه الأمن بعد الخوف قبل التحلل فجواب الشرط وهو فامضوا محذوف. وإن كان معناه إذا لم تحصروا وكنتم في حال أمن وسعة فقوله فَمَنْ تَمَتَّعَ الشرط مع الجزاء جواب الشرط الأول ولا وقف على أَمِنْتُمْ ومعنى التمتع التلذذ. وأصله الطول حبل مانع أي طويل. وكل من طالت صحبته مع الشيء فهو متمتع به. وقد عرفت معنى التمتع بالعمرة إلى الحج وهو أن يقدم مكة فيعتمر في أشهر الحج ثم يقيم حلالا بمكة حتى ينشىء منها الحج فيحج من عامه ذلك.
والتمتع بهذا الوجه صحيح لا كراهة فيه. وما يروى أن عمر خطب وقال: متعتان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أنهي عنهما وأعاقب عليهما: متعة النساء ومتعة الحج، ذكر الأئمة أن تلك المتعة هي أن يجمع بين الإحرامين ثم يفسخ الحج إلى العمرة ويتمتع بها إلى الحج.
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لأصحابه في ذلك ثم نسخ.
وعن أبي ذر أنه قال: ما كانت متعة الحج إلا لنا خاصة. يعني الركب الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم. وكان السبب فيه أنهم كانوا لا يرون العمرة في أشهر الحج ويعدّونها من أفجر الفجور، فلما أراد النبي صلى الله عليه وسلم إبطال ذلك الاعتقاد عليهم بالغ فيه بأن نقلهم في أشهر الحج من الحج إلى العمرة. وهذا سبب لا يشاركهم فيه غيرهم، فلهذا المعنى كان نسخ الحج في أشهر الحج خاصا بهم. ومعنى التمتع بالعمرة إلى الحج أنه يتمتع بمحظورات الإحرام بسبب إتيانه بالعمرة إلى أوان الحج، وقيل: استمتاعه بالعمرة إلى وقت الحج انتفاعه بالتقرب بها إلى الله قبل الانتفاع بتقربه بالحج ولوجوب الدم على المتمتع شروط منها: أن لا يكون من حاضري المسجد